وقد عَلَّقَ البيضاويُّ على الحديثِ الذي لم يصحّ بقولِه: " والاستعانةُ
بالعبادِ في كشفِ الشدائدِ وإنْ كانت محمودةً في الجملة، لكنَّها لا تَلِيقُ
بمنصبِ الأَنبياء ".
وهذا تفسير للآيةِ مَرجوح، والراجحُ هو ما ذكَرْناه قبلَ قليل، من أَنَّ
المقصودَ بجملةِ (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) هو الرجلُ الناجي وليسَ
يوسُفَ - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا هو الراجحُ عند البيضاويِّ نفسه، ولذلك قال: " (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) .
فأُنْسِيَ الشَّرابيُّ أَنْ يَذْكُرَهُ لرَبِّه، فأَضافَ إليه المصدَرَ لملابستِه له.. ".
وإِذا كانَ الراجحُ في معنى الآية ما قُلْناه، فإِنَّ اعتراضَ الفادي عليها
مردود، وهو قولُه: " ونحنُ نسأَلُ: هل حرام أَنْ يستعينَ الإِنْسانُ بأَخيه وقْتَ الشدائد؟
لَمْ يَنْسَ يوسفُ ربَّه عندما كَلَّفَ الساقِيَ أَنْ يذكُرَه لدى فرعونَ،
ليُنْصِفَه ويُخرجَه من السجن، كما لم يَنْسَ بولسُ الرسولُ ربَّه عندما استغاث من اليهود، واستأْنَفَ قضيتَه إِلى محكمةِ قَيْصَر.
وماذا يَقولونَ في محمدٍ الذي استعانَ بِعَلِيٍّ وأَلْبَسَه ثوبَه تَعْمِيَةً لأَهْلِ قريش، فنجا محمدٌ بعد أَنْ كان عُرْضَةً للخَطَر؟
أَمَّا ذكْرُ السّاقي ليوسُفَ أَمامَ فرعونَ فيدلُّ على حكمةِ يوسف، وعلى
واجب الساقي، من غير وقوعِ أَيِّ ضررٍ على أَيِّ أَحَد.. ".
والخلاصةُ: لم يُخطِئْ يوسفُ - صلى الله عليه وسلم - عندما طَلَبَ من الرجلِ المفْرَجِ عنه ذكْرَ قصَّتِه عندَ الملك، ولم يكنْ هذا منه استعانةً بغيرِ الله، ولا نسياناً لذِكْرِ الله، ولم يتسلَّطْ عليه الشيطان، ولم يُنْسِه ذكْرَ ربّه، والذي نَسي هو الرجل، حيث نَسِيَ تذكير الملكِ بقضيةِ يوسفَ المظلوم، وأَدّى هذا إِلى أَنْ يَلبثَ يوسُفُ في السجنِ بضعَ سنين، وهذه المدةُ لم تكنْ عقوبةً من اللهِ
ليوسفَ - صلى الله عليه وسلم -، لأَنه لم يُذْنِبْ حتى يعاقبهُ الله، وإِنما كانت ابتلاءً من اللهِ له.