الثاني: الخطابُ للإِنسانِ الشّاكِّ في نبوةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم.
والتقديرُ: إِنْ كنتَ أَيها الإنسانُ في شَكٍّ مما أَنزلْنا إِليك من الهدى على لسانِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فاسأَلْ أَهْلَ الكتابِ لِيَدُلُّوكَ على صحةِ نبوَّتِه.
ونفى الرازي أَنْ يكونَ الخطابُ في الحقيقةِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ورَجَّحَ أَنْ يكونَ الخطابُ في الظاهرِ له، لكنَّ المرادَ غيره.
وقالَ كَلاماً رائعاً في توجيهِ ذلك:
" والذي يَدُلُّ على صحةِ ما ذَكَرْناهُ من وجوه:
الاوَّل: قولُه تعالى في آخرِ السورة: (يا أيُّهَا ألنَّاسُ إِن كنُتم فِى شَكٍّ من
دِينِى) .
فَبَيَّنَ أَنَّ المذكورَ في الآيةِ السابقة هم المذكورونَ في هذه الآيةِ على
سبيلِ التصريح.
الثاني: أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - لو كانَ شاكاً في نبوةِ نفسِه لكانَ شَكُّ غَيرِه في نبوتِه أَوْلى، وهذا يوجبُ سُقوطَ الشريعةِ بالكلية.
الثالث: بتقديرِ أَنْ يكونَ شاكاً في نبوةِ نفسِه، فكيفَ يزولُ ذلك الشَّكُّ
بإِخبارِ أَهْلِ الكتابِ عن نبوَّتِه، مع أَنهم في الأَكثرِ كُفّار؟!
وقد ثَبَتَ أَنَّ ما في أَيديهم من التوراةِ والإِنجيلِ مُصحَّفٌ مُحَرَّف ...
فثبتَ أَنَّ الحَقَّ هو أَنَّ هذا الخطابَ وإِنْ كانَ في الظاهرِ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أَنَّ المرادَ به أُمَّتُه ".
حذف الفادي هذا الكلامَ كُلَّه، لأَنه لا يُساعدُ في ما يريدُه من اتهامِ
النبيِّ وتخطئةِ القرآن.
حتى الوجهُ الذي قالَه الرازي، ونقلَه الفادي عنه ليس كما نَقَلَه الفادي،
لأَنه أَخَذَ منه الجزءَ الذي يتفقُ مع هواه، وأَسقطَ الجزءَ المهمَّ منه، وهو قولُ
الرازي: " وتَمامُ التقرير في هذا الباب: إِنَّ قولَه: (فإن كنُتَ فِى شَكٍّ) فافعلْ كذا وكذا قضيةٌ شرطية، والقضيهُ الشرطيةُ لا إِشعارَ فيها ألبتة بأَنَّ الشرطَ وَقَعَ أَو لم يَقَعْ، ولا بأَنَّ الجزاءَ وَقَعَ أَو لم يقع، وليس فيها إِلّا بيانُ أَنَّ ماهيةَ ذلك الشرط مستلزمةٌ لماهيةِ ذلك الجزاء ... .
إِنَّ الآيةَ تدلُّ على أَنه لو حَصَلَ هذا الشّكّ لكانَ الواجبُ عليه هو،