الآيةُ التي اعترضَ - عليها المفترِي ضمنَ آياتٍ تتحدثُ عن قصةِ
شعيبٍ - عليه السلام - مع قومِه، وتُسَجِّلُ رَدَّ شعيبِ على تهديدِ قومِه الكافرين له ولأَتْباعِه المؤمنين، بإِخراجِهم من قريتِهم إِنْ لمَ يَعودوا في مِلَّتِهم.
قال تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا) .
أَخبرَ شعيبٌ - عليه السلام - قومَه بأَنه لنْ يعودَ هو وأَتباعُه المؤمنون في ملَّتِهم الكافرة، وأَنه لا يكونُ ولا يَنْبَغي له ولأتْباعِه المؤمنين أَنْ يَعودوا إلى الكفر بعدَ أنْ نَجَّاهم الله منه، ومَنَّ عليهم بالإِيمان.
ثم رَبَطَ شعيب - عليه السلام - الأَمْرَ بمشيئةِ الله: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا) .
والمعنى: نحنُ قَرَّرْنا أَنْ لا نعودَ في ملَّتِكم، لكن لا نَدري ما الذي
يَشاؤُه اللهُ ويُريدُه، فإِنْ شاءَ خِذْلانَنا ورِدَّتَنا فإِنَّ مشيئَتَه نافذةٌ ماضية.
والمصْدَرُ " أَنْ يشاءَ اللهُ ربُّنا " في محلِّ نصب مستثنى، والاستثناءُ هنا
منفصل، غيرُ مرتبط مع ما قَبْلَه، والمفعولُ به لفعل " يشاء " محذوف، تقديرُه: يَشاءُ اللهُ ربّنا عودَتَنا.
وتقديرُ الاستثناء: ما يكونُ لنا أَنْ نعوَد فيها إِلا مشيئة ربِّنا ذلك.
وحكمةُ ذكْرِ الاستثناءِ هنا، رَبْطُ كُلِّ شيء بمشيئةِ اللهِ وإِرادتِه، وعلمه
وقَدَرِه وقَضائِه، وبيانُ أَنَّ مشيئةَ الله هي النافذة، وأَنَّ إِرادتَه هي الماضية، وأَنه إِذا أَرادَ شيئاً أَوجَده كما أَراد، وأَنَّه لن يَقَعَ شيءٌ في الوجودِ كُلِّه إِلا بمشيئتِهِ سبحانَه وإِرادتِه.
وهذا معناه أَنْ يُسَلِّمَ المؤمنُ أَمْرَهُ إِلى الله، وأَنْ يحسنَ التوكلَ
عليه، والتفويضَ إِليه، والرضا بقدرِه!.
وخاطَبَ إِبراهيمُ - عليه السلام - قومَه بكلامٍ قَريب مما خاطَبَ به شعيبٌ - عليه السلام - قومَه