قال تعالى: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) .
فبعدَ أَنْ واجَهَهم بعدمِ خوفِه مِنهم ومِن آلهتِهم، رَبَطَ الأَمْرَ بمشيئةِ الله،
والمعنى: أَنا لا أَخافُ آلهتَكم لأَنها لا تَضُرُّ ولا تَنْفَع، فإِنْ شاءَ اللهُ رَبّي أَنْ
تَضُرَّني، وَقَعَ الضُّرُّ بي، لأَنَّ اللهَ شاءَ ذلك، وليس لأَنها هي تَضُرُّ، فهي سببٌ في هذه الحالة، والمسَبِّبُ والمقَدِّرُ هو الله!!.
ولم يَفْهَم الفادي الجاهلُ معنى إِرادةِ اللهِ ومشيئتِه، وادَّعى أَنَّ اللهَ لا يَشاءُ
الكفر! وهذا ادِّعاءٌ كبير، وخَطَأٌ فادح!.
إِذا كانَ اللهُ لا يَشاءُ الكفر، فمعنى ذلك أَنَّ الكفارَ يَكْفُرون رَغْماً عن الله،
وهذا يَقودُ إِلى إثباتِ العجزِ لله، لأَنه لا يَستطيعُ مَنْعَ كُفْر الكفار، وأَنَهُ تَحدثُ في مُلْكِه أَشياءُ بدونِ إِذْنِه!! وهذا اتِّهامٌ للهِ بالنقصِ والضَّعفِ والعَجْز!!.
ولا إِشكالَ في قولِنا: الكافرُ يكفُرُ بمشيئةِ الله، واللهُ هو الذي يَشاءُ
الكفر، لأَنه لا يَقعُ شيءٌ في الوجودِ بدونِ إِذْنِ اللهِ وإِرادتِه ومشيئتِه سبحانه، ومَنْ هو ذلك الشخصُ المخلوقُ القادرُ على تعجيزِ الله؟!.
ومشيئةُ اللهِ كُفْرَ الكافرِ تَعْني عِلْمَه بأَنه سيكفُرُ، وإِرادَتَه في أَنْ يَكْفُر، ولو
لم يُرِدْ ذلك لَمَنَعَ الكافرَ من الكفر، ومَنَعَ العاصي من المعصية.
ولا يَعْني هذا أَنَ اللهَ يَرضى ذلك الكفر، ويحبُّ الكافرَ عندما يكفر،
فإِنَّ اللهَ لا يَرضى ذلك، ولا يُحِبه، وقد نَهى الكافِرَ عنه، وهَدَّدَه بالعذاب، وسيحاسِبُه ويعاقِبُه ويُعَذِّبُه.
ومعنى هذا أَنَّ مشيئةَ اللهِ وإِرادتَه نوعان:
الأَول: مشيئةٌ كونيَّة: وهي مشيئَةٌ تَقومُ على مجردِ العِلْم، وهي المتعلقةُ
بكفرِ الكافرِ، ومعصيةِ العاصي..
فاللهُ شاءَ ذلك الكفرَ وأَرادَه، بمعنى أَنه عَلِمَه، لكنَه لا يرضى ذلك ولا يَقْبَلُه، وقد نَهى عنه وحَذَّر منه، وتَوَعَّدَ فاعِلَه بالعذاب.