الأَرواح، فيه تُحْفَظُ أَرواحُ الأَشْرار، فلا يَقْدِرونَ على الرُّجوعِ إِلى الحياةِ
الدنيا ".
وكلامُه غيرُ صحيح، فالبرزخُ ليسَ مَكاناً لحفْظِ أَرواحِ الأَشْرارِ
فقط، وإِنَّما هو مكانّ لكُلِّ النّاس، مُؤْمِنين وكافِرين، ومُحْسِنين ومُسيئين، لأَنه مرحَلَةٌ حتميةٌ لما بَعْدَ الموت.
كما أَنَّ البرزخَ ليسَ مَكاناً للأَرْواحِ فقط، وإِنما هو مكانٌ لكُلِّ إِنسان،
بجسْمِه وروحِه وكيانِه كُلِّه.
وقد أَخَبَرنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ كُلَّ إِنسَانٍ عندما
يوضَعُ في قَبْرِه، تُرَدّ له روحُه في جَسَدِه، ويأْتيهِ الملَكانِ فَيُجْلِسانِه ويَسأَلانِه،
فإِنْ أَجابَ كانَ مُنَعَّماً في قَبْرِه، وإنْ لم يُجِبْ كان مُعَذَّباً.
فنَعيمُ القبرِ أَو عَذابُه ليسَ للروحِ فقط، لكنَّه للروحِ مع الجَسَدَ.
لكنَّ البرزخ من عالَمِ الغيب، ولا يُقاسُ بمقاييسِنا الماديةِ الدنيوية، فلو
فَتَحْنا قَبْراً ماتَ صاحِبُه قبلَ عشراتِ السنين فلنْ نَجِدَ فيه جِسْماً ولا روحاً،
ولا نَعيماً ولا عَذاباً، ولن نَجِدَ فيه إِلا تُراباً، ولا يَعْني هذا أَنَّ صاحبَه صارَ
تُراباً حقيقة، إِنما هو بروحِه وجَسَدِهِ في عالَمِ الغيب، وهو مُنَعَّمٌ أَو مُعَذَّبٌ في
قبرِه، ويَعِيشُ حياتَه البرزخيةَ بانتظارِ قِيامِ الساعة!.
أَما حياةُ الشهداءِ عندَ الله، فقد ذَكَرَها القرآنُ في قولِه تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) .
وهذه الآيات ُ نازلةٌ بعدَ غزوةِ أُحُد، في السنةِ الثالثةِ من الهجرة، التي
استُشْهِدَ فيها مَن اسْتُشْهِدَ من الصحابة، فأَخْبَرَ اللهُ أَهْلَهم عن حياتِهم.
وهذا ما أَكَّدَهُ وَوَضَّحَهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
روى مسلمٌ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: سأَلْنا رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) .