للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: " أَرواحُهم في جوفِ طَيْرٍ خُضرٍ، لها قناديلُ مُعَلَّقَةٌ بالعرش،

تَسرحُ من الجنةِ حَيْثُ شاءَتْ، ثم تَأوي إلى تلك القناديل ".

وروى أَبو داود عن ابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لما أُصِيْبَ إِخوانُكُم بأُحُد، جَعَلَ اللهُ أَرواحَهم في جوفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنهارَ الجنة، تَأَكُلُ من ثِمَارِها، وتَأَوي إِلى قناديلَ من ذَهَب مُعَلَّقَةٍ في ظِلِّ العرش..

فلما وَجَدوا طِيبَ مَأكَلِهِمْ ومَشْرَبِهم ومَقيلِهم، قالوا: مَنْ يُبَلغُ إِخوانَنا عَنّا أَنّا أحياءٌ في الجَنَّةِ نُرْزَقُ، لِئَلّا يَزْهَدوا في الجهاد، ولا يَنْكُلوا عندَ الحرب؟

فقالَ الله: أَنا أُبَلِّغُهُم عنكم! فأنزل قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا) ... .

وقد اعترضَ الفادي على كَلامِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، واعتبرَ جَعْلَ أَرواحِ الشُّهداءِ في أَجْوافِ طُيورٍ خُضْرٍ لا يَتفقُ مع كرامَةِ الإنسان.

قال: " ونَحنُ

نسألُ: إِنْ كانَ اللهُ خَلَقَ الإنسانَ على أَحْسَنِ تَقْويم، فكيفَ إذا ذَهَبَ إِلى الجنةِ يُنَزِّلُهُ مَنزلةَ الطير؟

ويَتناسَخُ الأشرارُ في النارِ إِلى قردةٍ وخَنازير، والأَبرارُ في الجنةِ إِلى طيورٍ وعصافير؟ ".

واعتراضُه يَدُلُّ على جَهْلِه وسَخافَةِ تَفْكيره، فلا يَدُلُّ حَديثُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على أَنَّ اللهَ يُحَوّلُ الشُّهداءَ من بَشَر إِلى طيورٍ وعَصافير، إِنما يَدُلُّ على أَنَ اللهَ يُكْرِمُهم بعدَ استشهادِهم، فلا يُبقي أَرواحَهم مع أجسادِهم في الدنيا، وإنما يَستقدِمُها إِلى الجنة، ويَجعلُها في

حواصلِ طيورٍ خُضْر، تتمتَّعُ في الجنةِ حيثُ شاءت، وتَسرحُ فيها بينَ أَنْهارِها وأَشْجارِها وثمارِها، وتأوي لَيْلاً إِلى قناديلَ مُعَلَّقَةٍ قي ظِلِّ العرش.

وهذا كُلُّهُ في الدنيا، فأَجسادُهم بَقِيَتْ في قُبورِهم، وأَرواحُهم هي التي

اسْتَقْدَمَها اللهُ إِلى الجنة، فليسَ في الأَمْرِ تناسُخٌ ولا اسْتِنْساخ، ولا إِهانَةٌ

واحْتقار للشهيد، بتحوِيلِه من إنسانٍ مُكَرَّمٍ إلى عُصفور!.

<<  <  ج: ص:  >  >>