عيسى - عليه السلام -، فنامَ وهو وسطَ تَلاميذِهِ الحَوارِيّين، في تلك الليلةِ المثيرة، وتوفّاة اللهُ بأَنْ أَنامَه، ثم رَفَعَه إِلى السماءِ وهو نائم، وكان ذلك بروحِه وجَسَدِه، وتَمَّ بآيةٍ خارقةٍ ومعجزةٍ باهرةٍ من الله!.
فليسَ معنى قولِه: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) : سأَسْمَحُ لليهود بصلْبِك
وقَتْلِك ودَفْنك، وأَكونُ بهذا قد أَمَتُّكَ وَتَوَفَّيْتُكَ، ثم أْحْييكَ بعدَ دفنِك مباشرة، وأَرفعكَ إِلَيَّ حَيّاً.
كما يؤمنُ بذلك الفادي وأَهْلُ مِلَّتِهِ من النصارى.
وإِنما مَعْناها: إِنّي مُنيمُك، ورافِعُكَ إِلَيَّ وأَنتَ نائِم، وبذلك أُطهِّرُكَ من الذين كَفَروا، فلم تَمتدَّ أَيديهم إِليكَ بسوء.
٤ - لا يَدُلّ قولُه تعالى: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) : لما
أَمَتَّني عَلى الصليب، كما فهمَ ذلك الفادي المفترِي، إِنّما المرادُ بها هنا
الوفاةُ الحقيقيةُ، التي سَيَتَوَفّى اللهُ بها عيسى - عليه السلام -، عندَ انتهاءِ أَجَلِه، وذلك بعدَ نزوله في آخرِ الزمان، حيث سيتوَفّاهُ اللهُ ويُميتُه كما يَتَوَفّى ويُميتُ أَيَّ إِنْسان!.
٥ - أَمّا قولُه تعالى: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) فليس كما فهمَه الفادي المفترِي، بما يَتفقُ مع هَواه، من أَنه ماتَ
ودُفِنَ، ثم بَعَثَه اللهُ حَيّاً بعد ذلك ورَفَعَه إلى السماء، وإنما يُخبرُ عن
المراحلِ الثلاثةِ التي يَمُرُّ بها عيسى - عليه السلام -، كما يَمُرُّ بها كلُّ إِنسان، وهي ميلادُه، ثم موتُه، ثم بعثُه حيّاً يومَ القيامة.
فعيسى الحيّ الآنَ في السماءِ، سيُنْزِلُهُ اللهُ في آخرِ الزمان، ثم يُميتُه، ثم يَبْعَثُه حَيّاً يومَ القيامة كما يَبْعَثُ باقي الناس.
وبهذا نُزيلُ التناقضَ الموهومَ بين الآيات، ونَعْرِفُ من القرآنِ أَنَّ اليهودَ
لم يَقْتُلوا عيسى ولم يَصْلبوه، وأَنامَه اللهُ، وتوفّاه تَوَفِّيَ نَوْمٍ، ورَفَعَه إِليه وهو
نائم، وسيُنزلِهُ في آخرِ الزمان، ويُميتُه كما يُميتُ باقي البشر، ويبعثُه حَيّاً يوم القيامة كما يَبْعَثُ باقي البَشَر!!.