إِنَّ الذي يُقابلُ التشابهَ هو الإِحكامُ وليسَ الإِبانة، فنقول: هو مُحْكَم،
في مقابلِ قولِنا: هو مُتَشابه.
فَوَضْعُ الفادي " المبينَ " مقابل " المتشابه " دَليلُ جهلِه باللغةِ العربيةِ ومصطلحاتِ القرآن.
فالقرآنُ كُلّه مُبين، أَيْ: كُلُّهُ واضحٌ ظاهرٌ مَفهومٌ بَيَنٌ للناس.
أَما الإِحكامُ فهو الإِتقانُ والإِجادةُ والدقة، وحُسْنُ الترتيب والتفصيل،
والقرآنُ كُلُّه مُحْكَمٌ مُتقنٌ مفصَّلٌ بهذا الاعتبار؟
قال تعالى: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) .
وأَمّا التشابهُ فهو التماثلُ والتَّساوي، يقال: فُلانٌ يُشْبِهُ فُلاناً، أَيْ: هو
يُماثلُه ويُساويه، فَهما مُتَماثِلان مُتَشابهان.
والقرآنُ كُلُّه متشابهٌ بهذا المعنى، لأَنَّ سُوَرَهُ وآياتِه متماثلة، متساويةٌ في الوضوحِ والبيان، والفصاحةِ والبلاغة، وفي الدلالةِ على أَنها من عندِ الله.
وصَرَّحَ القرآنُ بأَنه كُلَّه متشابهٌ بهذا المعنى للتشابه.
قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) .
وللتّشابهِ معنى آخر هو: الاشْتِبَاه، بمعنى أَنَّ القارئَ يَقَعُ في اشتباهٍ
وشُبْهَة، ويَختلطُ عليه الأَمْرُ، ويَلتبسُ عليه المعنى، بسببِ لَبْسٍ في الكلامِ
الذي أَمامه، وغُموضٍ في معناه.
وفي القرآنِ بعضُ الآيات ِ المتشابهاتِ بهذا المعنى، كما وَضحَتْ سورةُ
آلِ عمران: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) .
وتُشيرُ الآيةُ إِلى أَنَّ مُعظمَ آياتِ القرآنِ محكمات، أَيْ واضحاتُ الدلالة
على المعنى، لا تَحتاجُ إِلى آياتٍ أُخرى لحُسْنِ فهم المعنى، وهذه الآيات ُ
المحكماتُ هُنَّ أُمُّ الكتاب، وأَصْلُه الذي لا بُدَّ أَنْ يُعادَ كُلُّ شيء إِليه.