كما تشيرُ الآيةُ إِلى أَنَّ بعضَ آياتِ القرآنِ متشابهات، وهذه الآياتُ المتشابهاتُ قليلةٌ بجانبِ المحكمات.
وسَببُ التشابهِ في الآياتِ القليلةِ المتشابهةِ هو " الغموضُ المقصود " في
معناها، واللَّبْسُ الذي قد يَقَعُ فيه بعضُهم عندما ينظرُ فيها، كما فَعَلَ هذا
الفادي الجاهلُ في تناقضاتِه الخمسة عشر التي زَعَمَ وُجودَها في القرآن، والتي
نَقَضْناها في هذا المبحث.
وأَخبرت الآية ُ عن اختلافِ نظرةِ الناسِ للآياتِ المتشابهات، فقالت:
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) .
(الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) : هم الذين يَبحثونَ عن الشبهاتِ والإِشكالات،
ويُريدونَ اتباعَ الباطل، ويَهدفونَ إِلى فتنةِ الناس، من أَمثال هذا الفادي الجاهلِ مريضِ القلب، هؤلاءِ يَتَّبعونَ الآياتِ المتشابهاتِ لتحقيقِ أَهدافِهم المريضة.
(وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) : هم المتمكِّنونَ من العلم، الذين يُحسنونَ فَهْمَ
القرآن، ولذلك يَحْملونَ الآياتِ المتشابهاتِ القليلةِ على الآياتِ المحكماتِ
الكثيرة، التي هي أُمُّ الكتابِ وأَصْلُ المتشابهات، ويَخرجونَ من ذلك بزيادةِ
الإِيمانِ واليقين، ويُعْلنونَ ذلك قائلين: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) .
أَيْ: آمَنَّا بالقرآن، وأَيْقَنّا أَنه كَلامُ الله، وكُلٌّ من آياتِه المحكَماتِ والمتشابهاتِ من عندِ ربنا.
وبالمثال يَتَّضِحُ المقال:
قال اللهُ عن عيسى ابنِ مريم - عليه السلام -: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) .
في معنى هذه الآيةِ لَبْسٌ وغُموض، فما معنى قول اللهِ له: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) ؟
قد يَحتجُّ بها اليهودُ على أَنهم صَلَبوا عيسى - عليه السلام - وقَتَلوه، وقد
يحتجُّ بها النَصارى على أَنَّ عيسى - عليه السلام - قُتِلَ وصلِبَ، ودينُهم يقومُ على