اعترضَ على تكرارِ قولِه تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) في سورة
الرحمن، حيث ذُكرت الآيةُ إِحدى وثلاثين مرةً.
وهذا ليسَ تِكراراً في الحقيقة، وإِنما هو " تَنْويعٌ " في العرض، وفَرْق بين
التكرارِ والتنويع، فالتكرارُ هو إِعادَةُ الآيةِ أَو القصةِ أَو الموضوعِ مرةً أُخرى، بدونِ إِضافةٍ معلومةٍ أَو جملةٍ أَو كلمة، وبدونِ هدفٍ وغَرَضٍ جَديد.
وهذا التكرارُ عيبٌ في التأليف، وضعفٌ في الأُسلوب، ودليلٌ على الخلل، والتدنّي في البلاغةِ والفصاحة، يُنَزِّهُ الكاتبُ البليغُ كلامَه عنه.
ولذلك نقول: لا تكرارَ في القرآن.
إِنّ الذي في القرآنِ هو التنويع، وذلك بأَنْ يُضيفَ القرآنُ الجديدَ في كُلِّ
مَرَّةٍ يُعيدُ فيها ذِكْرَ القصةِ أَو الآيةِ أَو الجملةِ أَو الكلمة، إِما معلومةٌ جديدة،
وإِما كلمةٌ جديدة، وإِمّا لهدفٍ جَديد، وإِمّا للتناسبِ مع سياق جديد..
وهذا ليسَ تكراراً كما زَعَمَ الفادي الجاهل، وإِنما هو تَنويع.
إِنَّ قولَه تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قد ذُكِرَ في سورةِ الرحمن
إحدى وثلاثين مرةً، ولكنَّ هذه الآيةَ كانت تُذْكَرُ في كُل مرةٍ لهدفٍ جديد،
وكانت متناسبةً مع الآياتِ التي سَبَتَتْها، وخاتمةً مناسبةً لها، لأَنَّ سورةَ
الرحمن كُلَّها معرضٌ لآلاءِ اللهِ وبعَمِه، وكانت كُلَّما تَذكُرُ بعضَ نِعَمِ الله أَو
أَفعالِه أَو الأَدلةِ على وحدانيتِه وعظمتِه تَختمُ ذلك بالآية: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) على اعتبار أَنَّ الموضوعَ الذي تتحدَّثُ عنه هو بعضُ آلاءِ الله..
فهي أَشبهُ ما تكونُ بلازمةٍ شعرية، كتلكَ اللّوازمِ الشعريةِ التي كانَت تُخْتَمُ بها رباعياتُ بعضِ القصائدِ الشعريةِ الموزونة.
ولْنأخذْ على ذلك مثالاً من السورة: ذُكِرَت: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
في آية (١٨) لغيرِ الهدفِ الذي ذُكِرَتْ لأَجْلِه في آية (١٦) .
إِنها في الآيةِ السادسة عشرة مرتبطةٌ مع الآياتِ التي قبلَها، والتي تتحدثُ عن خلقِ الإِنسِ والجن، قال تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٦) .