أولاً: ماذا أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من امرئ القيس؟ :
زَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بعضَ كلامِ الشاعرِ الجاهليِّ المشهورِ " امرئِ القَيْس "، وسَجَّلَه في القرآن، ونَسَبَه إِلى الله، وادَّعى أَنَّ اللهَ أَنزلَه عليه! وقَدَّمَ الغبيُّ دليلاً على دعْواه وزعْمِه أَبياتٍ ركيكة، ادَّعى أَنها لامرئ القيس، مع أَنها ليستْ له، وإِنما هي في غايةِ الضعفِ والركاكة، وشعْرُ امرئ القيس في غايةِ الفصاحةِ والبلاغة.
ولْنقرأْ هذا الشعرَ الركيكَ، الذي صاغَه شاعِرٌ متأَخِّر، ونَسَبَه الفادي
الجاهلُ إِلى امرئ القيس:
دَنَت السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرْ ... عَنْ غَزالٍ صادَ قَلْبي ونَفَرْ
أَحْوَرٌ قَدْ حِرْتُ في أَوْصافِهِ ... ناعِسُ الطَّرْفِ بِعَيْنَيْهِ حَوَرْ
مَرَّ يَوْمَ العيدِ بي في زينةٍ ... فَرَماني فَتَعاطى فَعَقَرْ
بِسِهامٍ مِنْ لِحاظٍ فاتِكٍ ... فَرَّ عَنّي كَهَشيمِ المُحْتَظِرْ
وَإِذا ما غابَ عَنِّي ساعَةً ... كانَت السَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرّ
كَتَبَ الحُسْنُ على وَجْنَتِهِ ... بِرَحيقِ المِسْكِ سَطْراً مُخْتَصَرْ
عادَةُ الأَقْمارِ تَسْري في الدُّجى ... فَرَأَيْتُ اللَّيْلَ يَسْري بالقَمَرْ
بالضُّحى وَاللَّيْلِ مِنْ طُرَّتِهِ ... فَرْقُهُ ذا النَّورِكَمْ شَيءٌ زَهَرْ
قُلْتُ إِذْ شَقَّ العِذارُ خَدَّهُ ... دَنَت السّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرْ
ليسَ مُحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - الذي أَخَذَ بعضَ جُمَلِ هذه القصيدة، وَوَضَعَها في القرآن، كما ادَّعى الفادي الجاهل، وإِنما الشَاعِرُ الضعيفُ الركيكُ المتأَخِّر - الذي لم أَعرف اسْمَه - هو الذي حاكى القرآنَ كَلامَ الله، واقْتَبسَ من القرآنِ بعضَ جُمَلِه، زَيَّنَ بها قَصيدَتَه.
وديوانُ الشاعرِ الجاهليِّ البليغِ امرئ القيسِ مَطْبوعٌ مُتَداوَل، ونَتَحَدّى
الفادي الجاهلَ أَو أَيَّ واحدٍ من أَهْلِ مِلَّتِه أَنْ يُرينا هذه القصيدةَ الركيكةَ في
ديوانِ امرئِ القيس! فافتراءُ الفادي المفترِي لا يَثْبُتُ أَمامَ البحثِ العلمي.