وقد أَخبرَ اللهُ أَنَّ عيسى جاءَ مُصَدّقاً لموسى - عليه السلام -، وأَنَّ الإِنجيلَ جاءَ مُصَدّقاً للتوراة.
قال تعالى عن ما قالَه عيسى - عليه السلام - لبني إِسرائيل: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) .
وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .
وقال تعالى عن موافقة وتصديق الإِنجيل للتوراة: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) .
ويُلاحَظُ أَنَّ الحالَ " مُصَدّقاً " وَرَدَ في الآيةِ مرتَيْن.
كان في المرةِ الأُولى حالاً لعيسى - عليه السلام -: (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ..) .
وكانَ في المرةِ الثانيةِ حالاً للإِنجيل: (وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) .
ومن المعلومِ أَنَّ الإِنجيلَ مُكَمّلٌ للتوراة، حتى الأَناجيل المحرفة التي
كَتَبها النصارى، متوافقةٌ في كثيرٍ من أَفكارِها مع أَسفارِ العهدِ القديم المحرَّفَةِ
التي كتبها الأَحْبار.
فلماذا لم يَتَّهِم الفادي المجرمُ عيسى - عليه السلام - بأَنه أَلَّفَ الإِنجيلَ من عنده، لأَنه متوافقٌ مع التوراة في كثيرٍ من الأَخبارِ والقَصصِ والحكايات؟
بينما اتَّهَمَ محمداً - صلى الله عليه وسلم - بأَنه أَلَّفَ القرآنَ من عندِه، لأَنه متوافقٌ مع التوراةِ والإِنجيل؟!
ولماذا حَرَّمَ على القرآنِ ما أَباحَه للإِنجيل؟
وأَينَ هذا من الموضوعيةِ والمنهجية؟!.
لو خالَفَ القرآنُ التوراةَ والإِنجيل، ولو كَذَبَ ما فيهما من حقائقَ صادقة
فسوفَ يُشَكُّ في أَنَّه من عندِ الله، لأَنَّ مَنْ ناقَضَ وكَذَّبَ كَلامَ الله فليس من
عندِ الله.
ولذلك نَعتبرُ موافقةَ القرآنِ للتوراةِ والإِنجيل، وتصديقَه لما فيهما،