ولنقضِ شبهاتِه ودحضِ افتراءاتِه نُقررُ أَنَّ الكلماتِ الغريبةَ في القرآنِ
كلماتٌ عربيةٌ أَصيلة، لها أُصول وجُذورٌ عربية فصيحة، وليستْ كلماتٍ
أَعجميةً أَو معرَّبة، ووجْهُ غرابتِها هو نُدرةُ استعمالِها في الأَساليبِ العربية،
ونُدرةُ دورانِها على أَلسنةِ وأَقلامِ العرب، مما جعلَها شبهَ مهجورةِ
الاستعمال، فغابَ عن الذهنِ العربيِّ المعنى المباشِرُ لها، مما تَطَلَّبَ العودةَ
إِلى القواميسِ والمعاجم لمعرفةِ معناها..
فهي ليستْ غريبةً على اللغةِ العربية في جذورِها واشتقاقاتِها، ولكنها غريبة على الثقافةِ العربية عند المتكلمينَ العرب، وإِذا جازَ توجيهُ اللومِ فإِنه لا يُوَجَّهُ إِلى القرآنِ الذي استعملَها، وإِنما يُوَجَّهُ إِلى القُرّاءِ والكُتّابِ والمثَقَّفينَ العرب، لأَنهم لم يَرْتَقوا إِلى مستوى البلاغةِ القرآنية..
وأَنت لا تَلومُ السامي في ارتقائِه، وإِنما تلومُ الذي لا يرتقي إِلى مستواه.
ثم إِنَّ غرابةَ معاني تلك الكلماتِ، تَزولُ بالعودةِ إِلى كتبِ التفسيرِ
المختصرة، ومَنْ أَرادَ التوسُّعَ والاستزادةَ فيمكنُه ذلك، بالعودةِ إِلى كتبِ
القواميسِ والمعاجم.
ويَكفي لمعرفةِ المعاني السريعةِ لهذه الكلماتِ وغيرِها اصطحابُ كتابِ " كلمات القرآن: تفسير وبيان " لحسنين مخلوف - رحمه الله -..
وقد طُبعَ هذا الكتابُ عدةَ طَبْعاتٍ على هامشِ المصحف، ويمكنُ لقارئ القرآنِ أَن يَنظرَ إِلى هامشِ الصفحةِ من القرآنِ، ليَعرفَ معنى الكلمةِ الغريبةِ في الآية.
وبهذا لم تَعُدْ تلك الكلماتُ الغريبةُ غريبةً، لا على القارئِ العادي للقرآن، ولا على الباحث في معاني وتفسيرِ القرآنِ!!.
إِننا نَعتبرُ وُجودَ هذه الكلماتِ الغريبةِ في القرآن شهادَةً للقرآنِ في
بلاغتِه وسُمُوّه وإِعجازِه، وجَمالاً جَديداً يُضافُ إِلى مظاهرِ جَمالِه في
أَساليبِ بيانِه، وهي ليستْ مخالِفةً للذوقِ السليمِ في فنِّ الإِنشاءِ كما زَعَمَ
الفادي الجاهل.
والروايةُ عن عمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه - في موقفِه من " الأَبِّ " في القرآنِ صحيحة، لكنَّ الفادي الجاهلَ لم يَعرفْ مَعْناها، فأَساءَ توظيفَها ضدَّ القرآن.