إِنَّ عمرَ - رضي الله عنه - عربيٌّ فصيح، وهو يَعرِفُ معنى " الأَبِّ " في اللغة، ويَعرفُ معناها في الآية: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) ، ويَعلمُ أَنها مذكورو في مقابلِ الفاكهةِ المخصَّصةِ للإنسان، فهي طعامٌ للأَنعام.
ووجْهُ تَرَدُّدِه ولومِه لنفسِه أَنه أَرادَ أَنْ يُحددَ أَصنافَ الأَبِّ، من أَيِّ أَنواعِ النباتِ هو؟
فكأَنه يقول: عَرَفْنا الفاكهةَ، التي منها الزيتونُ والأَعنابُ والرمانُ والتمر، فما هو الأَبُّ الذي تأكله الأَنعام؟
هل هو " البَرسيمُ والفَصَّةُ"؟
وهل هناك أَسماءٌ غيرها؟
ثم تراجَعَ وقال: إِنَّ هذا لهو التكلُّفُ يا عمر.
فالتكلُّفُ ليسَ في محاولةِ معرفةِ معنى الأَبّ، لأَنه يَعرفُ معناه، ولكنَّه
في محاولةِ تحديدِ أَنواعِه وأَصنافِه وأَسمائِه.
أَما الروايةُ المنسوبةُ إِلى ابنِ عباس - رضي الله عنهما -: "لا أَعرفُ معنى غسلين وحناناً وأواه والرقيم " فهي ليسَتْ صحيحة، وهي مطعونٌ فيها، وتَتعارضُ مع علمِ ابنِ عباس - رضي الله عنهما - بمعاني القرآن، الذي كانَ أَعلمَ الصحابةِ بالقرآن، وقد استجابَ اللهُ دعاءَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - له: " اللهمَّ فَقهْهُ في الدينِ وعَلِّمْهُ التأويل ".
وهو الصحابيُّ الذي حازَ لَقَبَ: (حَبْرُ الأُمَّة وتُرجمانُ القرآن) .
وما من كلمةٍ من كلماتِ القرآن إلا وكانَ يَعرفُ معناها الدَّقيقَ،
وكانَ يحفظُ الشواهدَ عليها من الشعرِ العربيّ الجاهليّ.
وقد امتحنَه زَعيمُ الخوارجِ نافعُ بنُ الأَزرق، وسأَله عن معنى حوالي مئةِ كلمةٍ غريبةٍ في القرآن، وعندما كانَ يُجيبُهْ كانَ يطالبه بالشاهد الشعري، فيقول له: " وهل تعرف العرب ذلك من كلامها؟ "، فكان ابنُ عباس يُقَدمُ له المطلوب.
وقد جَمعتْ تلك الأَسئلةَ والأَجوبةَ والشواهدَ الشعريةَ الدكتورةُ عائشةُ
عبد الرحمن - بنتُ الشاطئ - في كتابها: " إِعجازُ القرآن البياني ومسائل
نافعِ بنِ الأَزرق " ...
والذي عنده هذا العلمُ لا يَقول: لا أَعرفُ معنى كذا في القرآن!.