عابراً، ولم يتأَثَّرْ بها عَقْلُه أَو وَعْيُه أَو حِفْظُه وعبادَتُه، ولم تُؤَثِّرْ على نبوَّتِه
ورسالته.
أَمّا الفادي المجرمُ فقد وَظَّفَ الحادثةَ لَيُحققَ هَدَفَه بالإِساءَةِ إِلى
رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ونَفْي نُبُوَّتِه.
وعَلَّقَ على الحادثةِ بقولِه: " ونحنُ نسأل: كيفَ
يكونُ محمدٌ نبياً وقد خَضَعَ لسطوةِ الشيطان، فتارةً يُذْهِبُ عَقْلَه بالسِّحْر، وتارةً يُلقي على لسانِه آياتٍ شيطانية، كالتي قالَها في سورةِ النجم؟
لهذا اتَّهَمَه أَعداؤه بأَنه مجنون، فدفعَ عن نفسِه هذه التهمة، في آياتٍ كثيرة، كقوله تعالى: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) .
وقوله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٥٢) .
فأَيْنَ هو من موسى الذي غَلَبَ السحر؟
وأَينَ هو من المسيحِ الذي أَخرجَ الشياطينَ وأَقامَ الموتى؟
وإِنْ كانَ في إِمكانِ جبريلَ فَكّ سِحْرِه، وشِفاؤُه، فلماذا تَرَكَه، ولم يَأتِه إِلّا بعدَ ستةِ أشهر أَو سَنَة؟
وكيفَ يُؤْتمَنُ مِثْلُه على أَقوالِ الوحي؟
لذلكَ قال له إِلهه: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) ".
اتهمَ الفادي المجرمُ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - بالجُنون، وَردَّدَ التهمةَ التي أَطلقها الكفارُ زمنَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وقد نَفَتْ آياتُ القرآنِ الصريحةُ هذه التهمة عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانَ - صلى الله عليه وسلم - مَجْنوناً لما نجحَ في دعوتِه هذا النجاح، ولما تكلمَ بما تكلمَ به، ولما تعامَلَ مع أَصحابِه بأَعْلى درجاتِ العلمِ والحلم
والحكمةِ وسَعَةِ الصَّدْر.
ونُكررُ أَنَّ السحرَ لم يُؤَثِّرْ في عَقلِه - صلى الله عليه وسلم - ووعيه!.
ومقارنةُ الفادي المجرم بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينَ أَخَوَيْهِ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام لا دَاعيَ لها، لأَنَّ كُلَّاً منهم رسولٌ كريمٌ أَيَّدَهُ اللهُ بالمعجزات، وقد شاءَ اللهُ أَنْ يُؤَثّرَ السحرُ قليلاً في الجانب البشريِّ من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، تأكيداً على بشريته.