الأمر الثاني: أن استدلاله عليه بأنه لو كان من المناسك لعم المقيم والراحل كلام ضعيف كما نبه عليه صاحب "التقريب" وسبب الوقوع فيه ذهولهم عن شرطه؛ لأنه وإن كان من المناسك لكن إنما يشرع لمعنى وهو مفارقة البين وذلك مفقود هنا، ثم إن الاستدلال الذي قبله فيه نظر أيضًا لأنه إن كان اقتضاء الدخول للإحرام فسببه اقتضاء الخروج للوداع فيكونان سواء في الوجوب أو عدمه. وليس كذلك، بل الوداع واجب والإحرام غير واجب.
الثالث: أنه قد ذكر في أوائل الفصل المعقود للوقوف ما يخالف ما قاله هاهنا ويوافق كلام الغزالي فقال في الكلام على الخطبة المسنونة يوم السابع ما نصه: وينبغي أن يأمر في خطبته للمتمتعين أن يطوفوا قبل الخروج للوداع. انتهى.
وما قاله من أن المتمتع يطوف للوداع دون غيره سببه أن المتمتع قد أراد الخروج بعد تحلله من مناسكه وهي أعمال العمرة. وأما المفرد والقارن فلم يتحللا من مناسكهما.
إذا علمت ما ذكره هناك فهو مخالف لما رجحه هاهنا لتخصيصه الأمر عن فرع من المناسك ولانتفاء الخروج إلى مسافة القصر.
وقد تابعه النووي في "الروضة" على الموضعين، وعبر عن قول الرافعي هنا أنه أقرب بقوله: أنه أصح، ثم خالف الموضعين معًا في "شرح المهذب" فقال عقب الكلام على هذه المسألة في أثناء فرع ما نصه: والصحيح المشهور أن طواف الوداع يتوجه على من أراد مسافة القصر ودونها، سواء أكانت مسافة قريبة أم بعيدة لعموم الأحاديث وممن صرح به صاحب "البيان" وغيره، انتهى كلامه.