الآخر لأن مدلولات الألفاظ لا تختلف باختلاف الأبواب، وحذف في "الروضة" هذا الكلام وما ذكره في "الروضة" عن الجرجاني وتوقف فيه، قد جزم به أيضًا الماوردي في "الحاوي" وحكى الروياني في "البحر" فيه وجهين على وفق الاحتمال الذي قاله النووي.
قوله: وسئل الحناطي عن شجرة تنبت في المقبرة هل للناس الأكل من ثمارها؟ فقال: قد قيل يجوز والأولى عندي صرفها إلى مصالح المقبرة، وسئل أيضًا عن رجل غرس شجرة في المسجد كيف يصنع بثمارها؟ قال: إن جعلها للمسجد لم يجز أكلها من غير عوض، ويجب صرف عوضها في مصالح المسجد، ولا ينبغي أن تغرس الأشجار في المساجد، انتهى كلامه.
أما المسألة الأولى فواضحة إلا أن النووي قد قال من "زوائده": إن المختار جواز الأكل.
وأما المسألة الثانية وهي غرسها في المسجد فقد أقره أيضًا النووي كما أقره الرافعي، وزاد -أعني النووي- أنه يجوز الأكل أيضًا إذا غرسها مسبلة، وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة بالأكل وفي ما أقره أمران:
أحدهما: أن المغروس كيف يخرج عن ملك الغارس بلا لفظ، وقد سبق أنه لو بنى مسجدا لم يخرج عن ملكه بذلك بل لابد من اللفظ.
الأمر الثاني: أن الرافعي قد ذكر في أركان الوقف أنه إذا وقف على المسجد لا يحتاج إلى القبول وإن ملكه فلابد من قبول الناظر عليه.
إذا علمت ذلك فتحتاج المسألة إلى تصوير وهو أن غرسها له هل هو على جهة الوقف أو الملك؟ فإن كان الأول فقد يقال بصحته، وإن لم يوجد لفظ وفيه تعد، وإن كان الثاني وهو المتجه من جهة المعنى، والظاهر من عبارته حيث قال غرسها للمسجد، فإن الموقوف ليس ملكا للموقوف عليه، بل ملكًا لله تعالى فلابد فيه من قبول الناظر على ما سبق.