وبالجملة فمن قال شيئًا ثم قال بخلافه فلا وجه لمقلده إلا [العمل](١) بالمتأخر. انتهى.
وذكر أيضًا عند الكلام على سبق الحدث: أن الشافعي إذا نص في القديم على شيء وجزم بخلافه في الجديد فمذهبه الجديد وليس القديم معدودًا من المذهب.
لكن أئمة المذهب يعتادون توجيه الأقوال القديمة، واختار النووي في "شرح المهذب" ما رآه الإمام ونسب خلافه إلى الغلط، والذي اختاره هو الظاهر، وإن كان الأول ظاهر كلام الشيخ أبي حامد والبندنيجي وابن الصباغ وغيرهم حيث ذكروا القول المتقدم قريبًا من عدم تأقيت المسح، وادعوا أن المسألة ليست على قولين لأن الشافعي رجع عنه قبل خروجه إلى مصر فدل على أن القولين إذا لم يصرح بالرجوع عنه يكون له الآن في تلك المسألة قولان.
وإنما رجحنا الأول لأمور:
منها: أن المقلد مع المجتهد كالمجتهد مع الرسول، فكما أن الحادث من أدلة الشرع ناسخ للمتقدم منها إجماعًا يجب على المجتهد أن يأخذ به كذلك المقلد مع المجتهد. فإن المجتهد مأمور في حق نفسه بما أدى إليه اجتهاده آخرًا وهو المنسوب إليه، فمن قلده كذلك، وأيضًا فإن نصه في الجديد على خلاف نصه في القديم لا جائز أن يكون إلا كدليل، وذلك الدليل لا جائز أن يكون مساويًا لدليل القديم وإلا لم يثبت القول، بل كان يتوقف كما توقف في كثير من المسائل فقال: ولا يتبين إلى أن أوجب كذا أو أقول كذا، ولا مرجوحًا أيضًا فتعين رجحانه في نظيره على دليل القديم.