قوله: وأما القراءة بالألحان فقد قال في "المختصر": لا بأس بها وعن رواية الربيع بن سليمان الجيزي: أنها مكروهة، وليس في هذا اختلاف قول عند عامة الأصحاب، ولكن موضع الكراهة أن يفرط في المد وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف ومن الضمة واو ومن الكسرة ياء، أو يدغم في غير موضع الإدغام، فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة، وفي "أمالي أبي الفرج" وجه: أنه لا كراهة وإن أفرط. انتهى كلامه.
وقد تلخص منه أن المعروف في المذهب إنما هو الكراهة؛ ولهذا لم ينقل التحريم عن أحد بالكلية، ويؤيده أيضًا ما نقله الربيع المرادي في "الأم" عن الشافعي، فقال في باب شهادة القاذف الذي هو قبل كتاب القاضي ما نصه: قال الشافعي: ولا بأس بالقراءة بالألحان. هذا لفظه بحروفه، وقد ذكر الشافعي بعد هذا بكراريس بابًا آخر في شهادة القاذف، فلأجل هذا احترزت بالتقييد السابق.
إذا علمت ذلك فقد قال في "الروضة" من "زوائده": والصحيح التحريم إذا أفرط على الوجه المذكور، صرح به صاحب "الحاوي" فقال: هو حرام يفسق به القارئ، ويأثم المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم، وهذا مراد الشافعي بالكراهة والله أعلم.
وإذا تأملت ما تقدم علمت أن تصحيح النووي في هذه المسألة ضعيف مخالف لكلام الشافعي والأصحاب فلا معول عليه، ثم إن القول بالتفسيق بتقدير التحريم مشكل لا دليل عليه بل الصواب على هذا التقدير أن يكون صغيرة.
واعلم أن الربيع الجيزي لم يقع له ذكر في الرافعي إلا في هذا الموضع، والمتكرر إنما هو الربيع المرادي راوي "الأم"، والجيزي بجيم مكسورة منسوب إلى البلد المقابلة لمدينة مصر كما أوضحته في مقدمة الكتاب والطبقات.