فأقبلوا على تَحقيق التراث ونشره، فمن أوائل الكتب التي نشرت وفق تَحقيق علمي جيد: كتاب الإكليل للهمداني (ت ٥٢١ هـ)، حققه الأب أنستاس ماري الكرملي، ونشر في بغداد سنة (١٩٣١ م)، وكتاب نخب الذخائر في أصول الجواهر لابن الأكفاني (ت ٧٤٩ هـ)، حققه الكرملي أيضًا، ونشر في بغداد سنة (١٩٣٩ م)، وكتاب إمتاع الأسماع للمقريزي (ت ٨٤٥ هـ) حققه الأستاذ محمود شاكر، ونشر في القاهرة سنة (١٩٤١ م)، ورسائل الجاحظ حققها طه الحاجري وكراوس ونشرت في مصر سنة (١٩٤٣ م)، وكتاب الديارات للشبابشتي (ت ٣٨٨ هـ) حققه كوركيس عواد ونشر ببغداد سنة (١٩٥١ م) وغيرها من الكتب التي تعتبر من أوائل التحقيق العربي.
ويتساءل الباحثون ماذا نحقق من هذا التراث الضخم، لا شك أن التراث كله عزيز ونفيس، وحقيق بالنشر، ولا يَخلو أي كتاب منه من فائدة، سواء أكانت هذه الفائدة علمية، أم تاريخية، أم لها دلالة على العصر، أم فيها فائدة تدل على صناعة وخبرة من خلال ما يستنبط من الخط والورق والحبر، وحتى في المخطوطات التي يظن فيها ضرر أو سلبيات، ففيها فوائد تستنتج وفيها دلالات على العصر، ولها نفع تاريخي أو اجتماعي، ولكن يبقى السؤال: من أين نبدأ، وأي المخطوطات أولى بالتقدم ولها الأولوية؟
قال فريق من أهل العلم كما نقل صاحب "فتح المغيث": أنه لا حاجة بنشر مَخطوط ما لم يكن فيه جدة وإبداع وابتكار، وقد سبق بعض المتقدمين فنادى بهذا الرأي وهو القاضي ابن العربي، إذ قال في صفة الكتاب الجيد:"إمَّا أن يخترع معنى، أو يبتدع وضعًا ومبنى، وما سوى هذين الوجهين فهو تسويد الورق والتحلي بحلية السَّرَق"، ولا شك أن المخطوطات القديمة التي كتبها علماء القرن الثاني والثالث لها الصدارة،