الشرح المذكور ولقحها وضم إليها فروعًا كانت منشرة فهذبها ونقحها، فلذلك حلى ينبوعها وبسقت فروعها وطاب أصولها ودنت قطوفها، فلما اتصف التصنيفات بما وصفناه وتآلف التأليفات كما شرحناه علق عليهما العاكف والباد ودرس بهما ما أنشأه الأولون أو كان وصار عليهما المعول في الترجيح وبقولهما المعمول في التصحيح، وألقت النبلاء مقاليد الفتوى إليهما، واعتمدت الفضلاء فيما تعم به البلوى عليهم، ووقع منهم الاصطفاء، وحصل بهما لهم الاكتفاء، وانفصل منهما التتبع والاقتفاء.
وتلك منقبة قد أطاب الله ذكرها وثناها، وموهبة قد رفع سمكها وبناها، ومن أسر سريرة حسنة ألبسه الله رداءها، لكن وقع في الكتابين المذكورين أنواع كثيرة قاطعة لهذا السبب، مانعة من هذا الأرب، يجب على من تبينت له تبيينها، ويتعين على من تعينت له تعيينها، فإن أكثرها من الزوايا المعتمة المسالك، والغوائل العديمة المشارك، والدسائس الخفية المدارك، لا يهتدي إليها إلا من يسره الله لذلك، وهيأه لما هنالك، فقطع عنه القواطع والعلائق، ودفع عنه الموانع والعوائق، وانتصب للفحص ولازم النظر وألف السهاد وداوم السهر، وأمعن النظر في نصوص الشافعي المتفرقة، وتتبع كتب الأصحاب طبقة بعد طبقة، وعَمَّر بمطالعتها عمره، وعَمَّر بمراجعتها دهره، وأكثر التفتيش والتطلاب، والتردد إلى الباب بعد الباب، وإذا أراد الله تعالى أمرًا هيأ له الأسباب، وقد تيسر لي مع ذلك بحمد الله تعالى من مؤلفات الشافعي والأصحاب -خصوصًا الأقدمين- ما لم يطرق اسمه بالكلية أذن أكثر المكثرين، ولم أعلمه قد اجتمع في مدينتنا عند أحد من العصريين، هذا وهي اليوم أعظم مدن الإسلام، ومجمع العلماء وموطن الأعلام، ومحط رجال أولى المحابر والأقلام، ومورد الملاح والحادي، ومقصد الحاضر والبادى، صانها الله تعالى وحماها وسائر بلاد الإسلام بمنه وكرمه.