للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (١).

قال ابن عباس - رضي الله عنه -: كل سلطان في القرآن فهو حجة (٢)، أرأيت الهدهد كان له سلطان، فالسلطان في هذه الآية الحجة والمقال في أخذ حقه إما القود، أو الدية إن بذلت له، أو العفو إن أراده ورغب في ثوابه، فهذا الذي جعله الله للولي أيّ ذلك شاء فعل.

وأما قوله: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} لا يقتل غير قاتل وليه؛ لأن العرب كانت إذا قُتِل من القبيل رجلٌ قتل وليُّه كلَّ من لقي من تلك القبيلة التي منها القاتل، فله أن يقتل القَتَلة من كانوا ولا يتعداهم إلى غيرهم، ولا يقتل إلا القِتْلَة التي قتل مولاه بها، إذا كانت مما يَقْتُل لا محالة ولا تُخْلِف، فإذا كانت مما تُخْلِف ـ ولا تؤدي إلى القتل على كل حال، وكان يحتاج إلى إعادة مثل الفعل ومثله ومثله، فهذه زيادة نُهِي عنها وتعذيب لا يجوز فعله ـ كان السيف أَوْخَى (٣) وأولى أن يؤخذ به الحق، والله أعلم.

وقوله: {لِوَلِيِّهِ} قد يكون واحد ويكون جماعة ويكون رجال كثير، وإنما قال: {لِوَلِيِّهِ} يشار إلى الجنس كقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (٤) جاء اللفظ بمعنى الواحد إذ الجنس (٥)، ونظائر هذا كثير.

والولي إنما يكون وليا لغيره، فيتعدى للمرأة من هذا الاسم، والولي لا بد أن يكون واحدا فأكثر، فإذا كان الولي رجلا استحق الولاية كلها، ولو جاز أن تكون المرأة وليا لما استحقت الولاية كلها، وتصير في المعنى كأنها بعض ولي.

فإن قيل: قد يمكن أن تضم إلى غيرها، كما يكون البنون وإن كثروا أولياء، وكذلك الإخوة. قيل: وإنما صار البنون أولياء والإخوة كذلك؛ لاستواء أحوالهم، وكذلك بنو العم إذا استووا في القُعْدُد (٦) والمرأة إذا ضمت إلى أخ أو عم أو ابن عم لم تستو حالها وحاله، وكان لها من الميراث بقدر استحقاق النساء، ولو كان لأبيها مولى لكان الولاء لأخيها ولعمها وابن عمها دونها، فذلك كله يدل على أن (٧) المرأة لا تسمى وليا، وقد قال الله سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٨).

وإنما جعل الله في القصاص حياة ليكف بعضهم عن بعض (٩)، وكان المقصود بكثرة القتل الرجال دون النساء ـ وإن كان قد يكون في النساء نادر، فيحكم لها ولوليها


(١) سورة الإسراء (٣٣).
(٢) أخرجه البخاري تعليقا [٩٨٦ كتاب التفسير، تفسير سورة الإسراء] قال ابن حجر في الفتح: "وصله ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، وهذا على شرط الصحيح، ورواه الفريابي بإسناد آخر عن ابن عباس .. "
(٣) أي: أحرى وأقصد، قال في لسان العرب، مادة: وخى: "الوخي: الطريق المعتمد، وقيل: هو الطريق القاصد ... ويقال توخيت محبتك بمعنى تحريت".
(٤) سورة العصر (٢).
(٥) كذا في الأصل.
(٦) القُعْدُد هنا المراد بها: القربى. ينظر: لسان العرب، مادة: قعد.
(٧) لوحة رقم [٢/ ١٧٨].
(٨) سورة البقرة (١٧٩).
(٩) ومن جملة الحكم التي شرع الله القصاص لها؛ شفاء النفس وذهاب غيظها، وتحقيق العدل بين الناس، وهذا مما يستوي في الرجال والنساء.

<<  <   >  >>