للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الحالة الاجتماعية.]

ما من شك في الصلة الوثيقة بين البناء الاجتماعي والوضع السياسي، فأثرهما متبادل، وتأثيرهما مشترك، فالأوضاع السياسية الآمنة المستقرة، تظهر آثارها بادية على مجتمعِ الناسِ وبيئتهم، وينعكس ضؤوها على حياتهم، ففي ظلال الأمن والاستقرار، تنشأ المجتمعات، وتزدهر المدنيات، وتتطور الحضارات.

وكما تقدم فإن أواخر القرن الثالث الهجري والقرن الرابع الهجري، شهدا انقسامات سياسية في بلاد المسلمين، نشأت على إثرها إمارات ودويلات، كان لها أثرها البالغ على حياة الناس.

ومن اللافت للنظر أن أكثر تلك الإمارت من غير العرب، فكانت لهم عوائدهم العجمية التي تأثرت بالمدنيات السابقة، ظهر ذلك فيما بدأت عليه تلك الإمارات، من حرص على الظهور بأشد أنواع الترف، على نحو لا يعرفه العرب ولا يحسنونه، فتنافس الأمراء في تشييد القصور، وتباروا في زخرفتها وتجميلها، واستنبتوا الحدائق والبساتين النظرة، وأنفقوا عليها من الأموال ما لا يأتي تحت حصر، ومَلَؤوها خدما من الغلمان والجواري، وتحكي كتب الأدب والتاريخ شيئا يظن الظان أنه نَسْجُ خيال، وأحلام يقظان (١).

وهذا الترف، والمبالغة في البذخ التي كان عليها الأمراء والوزراء، أورثت حياة كان شعارها المجون، ودثارها رقة الدين وقلة الحياء، فكثرت مجالس الطرب، التي يجتمع عليها الندماء، سماعا للمِزْمَار، وشربا للراح، وتغزلا بالملاح، حتى أمسى لهذه المجالس أدبها الخاص، وتقاليدها التي عرفت بها.


(١) ينظر: العقد الفريد المجلد الثامن، والبداية والنهاية (٩/ ٤٣)، وكتاب ظهر الإسلام (١/ ١٠٠).

<<  <   >  >>