للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤. حذف الطرق والمتابعات.

كان القاضي إسماعيل كثيرا ما يذكر طرقا كثيرة عن راو واحد، والمعنى لا يختلف فيها، مما جعل أبا الفضل يختصر الكتاب بحذف جميع تلك الطرق، ومن الأمثلة على ذلك ما أورده القشيري عند قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (١)، حيث قال: " اختلف السلف في هذه الآية: فزعم قوم منهم؛ ابن مسعود وغيره: أن الزانيين إذا تزوجا بعد ذلك لا يزالا زانيين ما اصطحبا .. " ونلحظ هنا أنه ذكر قول ابن مسعود المشهور في هذه المسألة، ثم انتقل إلى القول الآخر، وبمقارنة هذا الموضع مع الأصل، يتبين أن القاضي ذكر ست روايات مسندة عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، كلها في نفس المعنى الذي أشار إليه القشيري.

٥. اختصار بعض الروايات.

وقد يكتفي أبو الفضل القشيري بذكر بعض الآثار المروية عن عدد من السلف، ويدع طائفة من الروايات، فلا يذكرها ولا يشير إلى قائليها؛ لأنها في معنى ما ذكر، مثال ذلك ما وقع عند قوله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} (٢) فذكر طائفة من الآثار وسمى عددا من السلف، وبمقارنة ذلك مع القطعة المتبقية من الأصل، نجد أنه أغفل بعض الآثار ولم يشر إلى قائليها، على أن ذلك المحذوف لا يخرج في حقيقة الأمر عن معنى ما ذَكَر.

٦. اختصار المسائل الفقهية.

وقد يكون الاختصار بحذف بعض المسائل الفقهية، التي ليست من المسائل المشهورة، مثال ذلك ما أورده صاحب الأصل ـ القاضي إسماعيل ـ في سورة الجمعة، من روايات طويلة تتعلق بصفة قيام الخطيب على المنبر، فهذه المسألة بتمامها ليست في مختصر القشيري.

٧. اختصار كلام القاضي إسماعيل.

وقد يقع الاختصار من كلام القاضي نفسه، فقد رأيت أن القشيري يختصر من كلام القاضي إسماعيل فيعبر عنه بالمعنى المؤدي له، بلفظ أكثر اختصارا، أو اكتفاء بدلالة ما أبقى على ما حذف من الكلام، وقد نص على ذلك بقوله: " وأما الكلام فالكثير منه كلام إسماعيل، وربما اختصرته وزدت فيه " (٣).

[ثالثا: طبيعة الزيادات فيه.]

أشار بعض من تكلم عن كتاب أحكام القرآن للقشيري، إلى أنه تضمن زيادات عما في الأصل: كالقاضي عياض، وابن فرحون، والداودي، (٤).

بل إن أبا الفضل القشيري ذاته أشار إلى هذه الزيادة، وبين السبب الذي حمله على هذه الزيادة؛ فذكر سببين:

الأول: أن القاضي إسماعيل لكثرة شغله ربما أغفل بعض ما يحسن ذكره، فتكلم عنها القشيري بما حضره.

الثاني: أن هناك طرائق من الاحتجاج، ووجوها من الاستدلال، طرأت لم تكن في زمن القاضي إسماعيل، احُتْج بها على المذهب أو أوردت عليه، فلزم التكلم عنها والانفصال منها بما رَجَا أن يكون تقوية المذهب، وتصحيحا لما ذهب إليه القاضي إسماعيل.


(١) سورة النور (٣).
(٢) سورة المؤمنون (٦٧).
(٣) ينظر خاتمة الكتاب.
(٤) ينظر: ترتيب المدارك (٥/ ٢٧١) وطبقات المفسرين (١/ ١٢١) والديباج المذهب ص ١٠٠.

<<  <   >  >>