تمهيد: التعريف بكتاب أحكام القرآن لابن العربي ومكانته.
تتعدد مسالك العلماء في مؤلفاتهم، وتتنوع مناهجهم في كتبهم، حتى وإن كانت في نفس العلم والموضوع، ذلك أن الكتاب في حقيقة الأمر، انطباع لشخصية مؤلفه، وصورة لتكوينه العلمي والمعرفي، فضلا عن تنوع الاهتمامات، وتأثير البيئة والمجتمعات، أضف إلى هذا ما طبع الله خلقه عليه من اختلاف الأفهام والقدرات.
وهذه الموازنة بين كتاب أبي الفضل القشيري، وكتاب أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي، لا يُراد منها المفاضلة والترجيح بينهما، أو تغليب إحدى الكِفَتين، وإنما المقصود التعرف ـ بصفة عامة ـ على ملامح منهجيهما، والوقوف على مواطن الاتفاق، ومواضع الاختلاف، وشيء مما ميَّز أحدهما عن الآخر.
على أن هذه الموازنة بين الكتابين، فيها نوع صعوبة، من جهة أن كتاب القشيري كتابٌ مختصر من أصل سابق له، فهو محكوم بأمرين: بطريقة صاحب الأصل، والثاني بالاختصار نفسه، الذي يمنعه من الاسترسال في بعض المسائل، أو اختيار طريقة عرضها.
وقبل عقد موازنة بين الكتابين فيحسن ـ وقد مرّ التعريف بأبي الفضل ومؤلفه ـ أن أذكر تعريفا موجزا بابن العربي وكتابه أحكام القرآن، وذلك في النقاط الآتية:
أولا: التعريف بابن العربي (١).
* اسمه ونسبه هو: محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي المعافري، أبو بكر الأشبيلي.
* مولده ونشأته: ولد بأشبيلية سنة: ٤٦٨ هـ، في أسرة عريقة تبوأت مكانة عالية، حيث جمعت بين المكانة العلمية، والمناصب الدنيوية.
* مكانته العلمية: مع هذه المكانة المتميزة لأسرة ابن العربي، التي جعلته ينصرف إلى العلم مُذْ كان صغيرا، فقد تميز ابن العربي برحلته الطويلة إلى المشرق الإسلامي، ولقائه عددا كبيرا من العلماء في العراق، والشام، والحجاز، ومصر، حتى إذا عاد إلى أشبيلية بعد هذا التَطْوَاف الطويل، عاد محملا بثروة علمية ضخمة، في مختلف الفنون وشتى المعارف، ظهرت آثارها مُوِرقة في مؤلفاته وآرائه العلمية. ومن جانب آخر فقد تولى القضاء، وكانت سيرته فيها خير سيرة، عرف بالشدة في الحق، والصرامة على أهل الباطل.
* آثاره: ترك ابن العربي عددا من المؤلفات، هي مرآة شخصيته العلمية، وصورة تعكس مشاركته في مختلف الفنون وشتى العلوم، ساعده في ذلك تفرغه بعد عزله عن القضاء إلى نشر العلم وتدوينه، ومن أشهر مؤلفاته:
١. أحكام القرآن، وهو مطبوع.
٢. قانون التأويل، وهو مطبوع.
٣. عارضة الأحوذي شرح صحيح الترمذي، وهو مطبوع.
٤. المتوسط في الاعتقاد.
٥. الإنصاف في مسائل الخلاف، وهو كتاب في الفقه.
٦. المحصول في علم الأصول.
٧. العواصم من القواصم، وهو مطبوع.
٨. ملجئة المتفقهين إلى غوامض النحويين.
٩. سراج المهتدين، وهو كتاب في الزهديات.
* وفاته: توفي أبو بكر ابن العربي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسائة، ودفن بفاس، رحمه الله وأجزل مثوبته.
(١) ينظر في ترجمته: الصلة لابن بشكوال (٢/ ٥٩٠) وسير أعلام النبلاء (٢٠/ ١٩٧) والديباج المذهب (٢/ ٢٥٢) طبقات المفسرين للداودي (٢/ ١٦٧) وشجرة النور الزكية (١/ ٨٢).