من الصعب استبانة المصادر التي اعتمدها أبو الفضل القشيري في كتابه أحكام القرآن، والموارد التي استقى منها؛ وذلك لأنه لم يُؤلِفْ كتابه ابتداء ـ حتى يُمكن التعرف على مصادره ـ وإنما اختصره من كتاب شيخه القاضي إسماعيل، ومن المعروف أن المختصرات تعتمد في جُلِّ مادتها العلمية، على الأصل الذي اخُتُصِرت منه، اكتفاء به عن الرجوع إلى مصادر أخرى.
وإذا: فالأصل الذي اختصره هو المصدر والأساس له ـ إن جاز التعبير ـ ولهذا سيكون من نافلة القول الإشارة إليه.
على أنه وإن تكن الحال ما ذُكر، فقد ألمح المؤلف إلى عدد من المصادر التي استفاد منها وانتفع بها، غير أن ما ذكر منها في كتابه لم يكن كثير العدد، أو بعبارة أدق: لم يكن المنصوص عليه منها عديْدَا.
ويمكن تقسيم تلك المصادر بحسب موضوعاتها إلى ثلاثة مصادر، على النحو الآتي:
" مصادر السنن والآثار.
وكان اعتماد المؤلف في ذكر السنن والآثار والاستشهاد بها على الرواية عن الشيوخ، والسماع من الرواة، فقد عاش ـ رحمه الله ـ شطر عمره في أواخر القرن الثالث، وشطره الآخر في أوائل القرن الرابع، وهذان القرنان من القرون التي شهدت عناية كبيرة بالرواية والسماع، ولهذا فالشيوخ الذين اتصل بهم القشيري، وسمع منهم، وروى عنهم، ظهر أثرهم في كتابه، حيث كان يسند بعض الروايات والآثار على نحو ما سمعه من شيوخه، ومن أمثلة ذلك: ما أسنده من طريق: أبيه محمد بن العلاء، ومحمد بن الحسن بن مكرم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في معنى قوله تعالى:{ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} قال: حدثنا محمد بن الحسين بن مكرم، وحدثني أبي قالا: حدثنا محمد بن بشار بُنْدار قال: حدثنا يحي بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن صفوان بن سليم، عن أبي سلمة، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله:{أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قال: ? الخط? (١).
" المصادر الفقهية.
سيكون من العسير الوقوف على المصادر الفقهية، في كتاب يعتبر الفقه هو أساس مادته، وصلب موضوعه؛ لأن المؤلف سيحتاج إلى النظر في عدد كبير من المصادر الفقهية، المتنوعة بتنوع المذاهب وتعدد الأقوال، ولقد كان أبو الفضل يستعرض في كتابه الخلاف مع المذاهب الفقهية، ولا سيما مع الأحناف والشافعية، فيورد قول أئمة هذين المذهبين ـ على وجه الخصوص ـ ويرد عليهم، ويناقشهم في قولهم، ويخطئ رأيهم، وهو في هذا كله، لا ينص على كتاب بعينه، ولا يحيل على مصدر بذاته، مكتفيا بشهرتهم، وظهور أقوالهم بين الناس، ومن أولئك الأئمة الذين أورد قولهم:
١. أبو حنيفة النعمان.
٢. محمد بن إدريس الشافعي.
وقد نقل عنهما أقوالهم فأكثر، لكنه لم يحل على مصدر بعينه، ومن المثال على ما نقله عن أبي حنيفة وأصحابه؛ ما أورده عند قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} قال أبو حنيفة وأصحابه: إن القاذف إذا تاب لم تقبل شهادته،
(١) ينظر من هذه الرسالة: سورة الأحقاف الآية رقم (٤).