واستمر الحال في عهد التابعين باتباع منهج الصحابة في التعامل مع هذه القضايا، مع الأخذ بأحكام الصحابة إن كانوا حكموا في مثل هذه المسائل.
ولا بد من الإشارة إلى أنه في هذه المرحلة حدثت أمور كان لها الأثر الواضح في اختلاف مصادر الفقه الإسلامي، فبفتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه -، وما حدث بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، ومقتل الحسين - رضي الله عنه -، كانت هذه بداية شر وفتنة، حيث انقسم الناس إلى شيعة، وخوارج، وجماعة، فأصبح لكل فريق من الفرق الثلاث فقهه الخاص به في الأصول والفروع، وما يزال هذا الأمر حتى يومنا هذا.
[المرحلة الثانية: مرحلة ظهور المذاهب الفقهية.]
وتشمل هذه المرحلة عهد الأئمة الأربعة ومن بعدهم. (١)
ظل الأمر على ما هو عليه حتى ظهور الأئمة الأربعة، وفيه جدت حوادث كثيرة للمسلمين لم يسبق لمن تقدمهم حكم عليها؛ لأنها لم تكن على عهدهم، فأخذ كل إمام ينظر إلى هذه الحوادث تحت ضوء القرآن والسنة، وجعل كل إمام لنفسه أصولاً يقوم عليها مذهبه وحكمه.
ومع ذلك فقد كان قولهم جميعاً: إذا صح الحديث فهو رأيي، فهم جميعاً ينشدون الحق، ولا يجد أحدهم في نفسه حرجاً أن يرجع عن رأيه إلى ما يراه صواباً، حتى وإن كان هذا الصواب هو رأي أحد الأئمة الآخرين.
(١) انظر: تاريخ التشريع الإسلامي محمد الخضري: ١٤٢، ٢٧٥، تاريخ الفقه الإسلامي محمد علي السايس: ٨٠، ١١٧، التفسير والمفسرون للذهبي: ٢/ ٤١٥، التشريع والفقه الإسلامي لمناع القطان: ٢٠٢، تفسير آيات الأحكام: ١/ ٢٨ - ٣٠، اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: ٢/ ٤١٥.