للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: الحالة العلمية.]

يعتبر القرنان الثالث والرابع الهجريان من أكثر القرون زهوا في تاريخ الحركة العلمية، وأعظمها تفتحا على آفاق المعرفة وميادين العلم.

ففي هذه الفترة ازدهرت حركة التأليف والتدوين في شَتّى العلوم، ومختلف المعارف والفنون، سواء ما كان منها متعلقا بالحديث رواية ودراية، أم بالفقه، ولا سيما فقه المذاهب المتبوعة المشهورة، أو ما كان في اللغة وآدابها ومعارفها، أو التاريخ والأخبار، أو العلوم التطبيقية والطبية.

وفي تلك الفترة بدأت حركة الترجمة إلى العربية، تنشط وتزدهر، وخاصة ما تم نقله من حضارة الفرس، وآدابها، ومعارفها المختلفة، على نحو أثرى المسيرة العلمية وطورها، وفتح الأذهان وفتقها، وآذن ـ أيضا ـ بظهور مذاهب شتى ونِحَل مختلفة.

وإن يكن الأمراء والوزراء قد أسهموا في تقسيم البلاد، فقد كان لهم فضل دعم المسيرة العلمية، ومؤازرة العلماء، وتشجيعهم، فبدلا أن تكون بغداد والبصرة مركزي العلم والعلماء دون غيرها، أصبح بجانبها: شيراز، والرَّي، وأصبهان، وهمذان، وبخارى، وسمرقند، والقاهرة، ودمشق، ولكل منها سماتها وخصائصها (١).

وبعد أن كان الخليفة وحده هو الذي يشجع العلم والعلماء، أصبح هناك أمراء متعددون، يحرصون أشد الحرص على مؤازرة العلماء وتشجيعهم، وإجراء الأرزاق عليهم،


(١) تاريخ الأدب العربي ص ١٦ للسباعي بيومي.

<<  <   >  >>