للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ومن سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -.]

قوله عز وجل: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (١).

كان ابن عمر والحسن وعطاء، يَكْرَهُون قتل أهل الشرك ـ إذا أسروا ـ صبرا، ويتلون {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (٢)

وقال قتادة: نسختها قوله: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} (٣)

ووافق القول الأول جماعة من المفسرين، ووافق القول الآخر جماعة (٤)، وقد فادى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلين من أصحابه برجل من المشركين رواه أيوب (٥) عن أبي قلابة (٦) عن عمران بن حصين، وقد أدخل بعضهم بين عمران وأبي قلابة أبا المهلب (٧).

والذي يبين هذه الآية وقول من قال: منسوخة، ومن قال: ناسخة، قوله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (٨) وقال تبارك اسمه: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (٩) فدل القرآن بالآيات كلها: لا تأسروهم ولا تفادوهم، حتى تثخنوهم بالسيف، فالأسر والفداء قبل الإثخان لا ينبغي أن يفعل، فإذا وقع الإثخان جاز ذلك، والشيء إذا كان محظورا في وقت (١٠) ثم أذن فيه في وقت آخر، فإنما يدل على الإذن في الذي كان محظورا، لا على أنه واجب أن يفعل (١١).


(١) سورة محمد (٤)
(٢) أخرجه عنهم ابن أبي شيبة [٦/ ٤٩٨ كتاب السير، من كان لا يقتل الأسير .. ] والطبري في تفسيره (١١/ ٢٠٧).
وأخرجه عبد الرزاق [٥/ ٢٠٤ كتاب الجهاد، باب البيات] عن الحسن وعطاء.
(٣) سورة الأنفال (٥٧).
والأثر أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٢٢١) والطبري في تفسيره (١١/ ٣٠٦) به.
(٤) ينظر في ذلك: ابن أبي شيبة [٦/ ٤٩٥ كتاب السير، باب في الفداء من رآه وفعله] وتفسير الطبري (١١/ ٢٠٦).
(٥) هو: السختياني، تقدم.
(٦) هو: عبد الله بن زيد بن عامر الجرمي، أبو قلابة البصري، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، توفي بالشام سنة ١٠٤ هـ. ينظر: طبقات ابن سعد (٧/ ٩٥) وتهذيب التهذيب (٣/ ١٤٠).
(٧) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٢٢٠) وابن أبي شيبة [٦/ ٤٩٥ كتاب السير، في الفداء من رآه وفعله] عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين به.
وأبو المهلب هو: عمرو بن معاوية الجرمي، أبو المهلب البصري، عم أبي قلابة، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. ينظر: طبقات ابن سعد (٧/ ٦٣) وتهذيب التهذيب (٦/ ٣٤٩).
(٨) سورة الأنفال (٦٧).
(٩) سورة محمد (٤).
(١٠) لوحة رقم [٢/ ٢٤٩].
(١١) وهذا الذي اختاره المؤلف قد قرره ابن العربي بكلام متين، يقول: " والصحيح إحكامها، فإن شروط النسخ معدومة فيها، من المعارضة وتحصيل المتقدم من المتأخر، وقوله: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} فلا حجة فيه لأن التشريد قد يكون بالمن والفداء والقتل، فإن طوق المِنَن يثقل أعناق الرجال ويذهب بنفاسة نفوسهم، والفداء يجحف بأموالهم، ولم يزل العباس تحت ثقل فداء بدر حتى أدى عنه رسول الله، وأما قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فقد قال: {وَاحْصُرُوهُمْ} فأمر بالأخذ كما أمر بالقتل، فإن قيل: أمر بالأخذ للقتل، قلنا: أو للمن والفداء، وقد عضدت السنة ذلك كله، فروى مسلم أن النبي أخذ من سلمة بن الأكوع جارية ففدى بها ناسا من المسلمين، وقد هبط على النبي من أهل مكة قوم فأخذهم النبي ومن عليهم، وقد من على سبي هوازن وقتل النضر بن الحارث صبرا " أحكام القرآن (٤/ ١٣١).

<<  <   >  >>