للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتبين ـ أيضا ـ أن اختصار أبي الفضل لم يكن مجرد تهذيب للروايات وحذف للأسانيد، بل كان اختصار إمامٍ واعٍ بما يختصر من الكلام، عالمٍ بما يبقي منه، ظهرت آثاره واضحة في هذا المختصر.

وفضلا عن هذا كله، فقد تضمن هذا المختصر عددا غير قليل، من اختيارات قيمة لأبي الفضل القشيري، تنم عن رسوخ قدمه وعلو كَعْبِه.

وإذاً: فمختصر بكر بن محمد بن العلاء حفظ المادة العلمية التي تضمنها الكتاب الأصل، وزاد عليه بما أورده من أقواله واختياراته.

وهذه الحقيقة قد أشار إليها ضمنا ابن أبي زيد القيرواني ـ أحد أبرز علماء المالكية وأشهرهم ـ في وصيته لأحد طلابه، قال: " وإذا دخلت العراق فاكتب في مسائل الخلاف، فما تجد لأهل الوقت من الحجة والاستدلال وإن كانت لك الرغبة في الرد على المخالفين من أهل العراق، وعلى الشافعي، فكتاب ابن الجَهْم إن وجدته، وإلا اكتفيت بكتاب الأَبْهُري إن اكتسبته، ففيه فوائد، وكتاب الأحكام لإسماعيل القاضي، وإلا اكتفيت باختصارها للقاضي ابن العلاء. . . " (١).

[المطلب الثاني: الطريقة العامة في عرض الآيات وتفسيرها.]

في هذا المطلب سأترسم ـ إن شاء الله ـ الطريقة العامة التي سلكها المؤلف، في عرض الآيات وتفسيرها، محاولا رسم تصور عامٍ مجملٍ عن تلك الطريقة، مع ضرب بعض الأمثلة التي توضح المعنى.

[* أولا: طريقته في عرض السور والآيات.]

استعرض المؤلف سور القرآن الكريم جميعها، حيث بلغ عدد ما تكلم عليه منها أربعا وثمانين سورة، وترك الكلام عن ثلاثين سورة، وهي: الدخان، والجاثية، والقمر، والملك، والقلم، والحاقة، والنبأ، والنازعات، وعبس، والتكوير، والانفطار، والانشقاق، والبروج، والغاشية، والفجر، والشمس، والليل، والتين، والعلق، والبينة، والعاديات، والعصر، والهمزة، والفيل، وقريش، والكافرون، والنصر، والإخلاص، والفلق، والناس.

وهناك سور لم يشر إلى تركه الكلام عنها وهي: القمر، والحاقة، والإخلاص، والفلق والناس، وليس لتركها سبب ظاهر، إلا متابعة صاحب الأصل (٢)، كما نبه هو على ذلك في مواضعه مرارا، وأكثر هذه السور التي تركها تكلم عنها ابن العربي وغيره، على ما يأتي ـ إن شاء الله ـ تفصيله (٣).

ومما يلاحظ أن هذه السور التي تركها، غالبها سور مكية؛ وهذا لأن السور المكية غلب عليها ترسيخ أصول الاعتقاد، وبناء أصول الشرائع والأخلاق، أما السور المدنية فكانت في تنزيل الشرائع، وتفصيل الأحكام، وتبيين الحلال والحرام.


(١) الذب عن مذهب مالك لابن أبي زيد القيرواني، مخطوط في شستربتي رقم ١٠٠ لوحة رقم: ٢٠١.
(٢) تقدم في التمهيد لهذا البحث، الإشارة إلى أن المؤلفين في أحكام القرآن لم يلتزموا سورا بعينها، لا من جهة العدد، ولا من جهة ما يذكر أو يترك، وإنما اجتهدوا في ذلك فتكلموا على ما ظهر لهم، ومن هنا نشأ الاختلاف بينهم.
(٣) ينظر: الفصل الثالث المتعلق بالموازنة مع ابن العربي.

<<  <   >  >>