للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع منهجه في الاستدلال بالإجماع.]

إجماع أهل العلم هو أحد المصادر المعتمدة، التي تستمد منها بعض الأحكام الشرعية (١)، ولم يزل أهل العلم يعظمون ما أجمعت عليه الأمة، وينكرون أشد الإنكار على من خالفه أو خرج عنه.

ولقد تميزت كتب الأحكام بعنايتها بالمسائل التي انعقد عليها الإجماع، وقد كان لكتاب أحكام القرآن للقشيري، نصيب من هذه العناية، فقد كان يرى ـ كسائر أهل العلم ـ أن الإجماع حجة، لا يجوز الخروج عليه، ولا يسوغ لأحد مخالفته مهما كانت منزلته، وقد كان إنكاره شديدا على من يرى أنه قد خالف الإجماع، حيث قرر أن القول المُحْدَث بعد الإجماع، لا ينقضه ولا يعتبر خلافا، يقول في مسألة الإجماع على جواز تزويج الصغيرة، قال: " وأجمع أهل العلم على جواز ذلك في الصغيرة للأب، إلا شيئا ذُكر عن داود الأصبهاني، وفيه طعن على نكاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عائشة رضي الله عنها، ورأيت من أصحابه من ينكر ذلك، ومنهم من يقر به، وعلى أنه لو قاله ما كان قوله خلافا، لأن العلم يؤخذ عن الأكابر لا عن الأصاغر، ومن يأتي ليس بخلاف على من مضى" (٢).

وقد أورد المؤلف ـ رحمه الله ـ صورا غير كثيرة لما وقع عليه الإجماع، ومنها ما أورده في رده على بعض العراقيين القائلين بتقديم ذوي الأرحام في الميراث على الموالي، قال ـ رحمه الله ـ: " وقد قال بعض العراقيين: إنه يُوَرِثُ بهذه الآية ذوي الأرحام دون الموالي, فقالوا: لو أن رجلا أعتق عبدا فمات المعتَقُ، وترك مولاه الذي أعتقه، وترك خالته وعمته, أن المال للخالة والعمة دون المولى ... ولو كان كما قال العراقيون مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ? فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر? وقوله: ? الولاء لحمة كلحمة النسب? لكان ينبغي لهم إذا خَلَف الرجل ابن عم وابنة عم؛


(١) ينظر: أصول السرخسي (١/ ٢٩٥).
(٢) ينظر من هذه الرسالة: سورة النور الآية رقم (٣٢).

<<  <   >  >>