للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: منهجه في التفسير بالمأثور.]

لا اختلاف بين أهل الإسلام أن المصدر الأساس لتلقي الأحكام الشرعية هو الكتاب والسنة، فَهُمَا منبع الأحكام ومصدرها، منهما تُستقى، وعنهما تَصدر، ومنهج السلف في فَهْمِهَا عَاصِمٌ من انحراف القول، وزلل الرأي.

وإذا ما قَلَّبَ الناظر طرفه في ثنايا كتاب أحكام القرآن لأبي الفضل القشيري، يجد المصدر الأول في التفسير بالمأثور ـ وهو القرآن الكريم ـ قد لقي عناية المؤلف واهتمامه.

وقرين كتاب الله سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فهي الموضحة لأحكامه، المبينة لمعانية: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (١) وفي كتاب أحكام القرآن عدد كبير، من الأحاديث الشريفة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، توضح معاني القرآن، وتبين دلالاته.

وفهم الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين لهم، أحق ما اعتمد عليه الناظر في الوَحْيَيَن، وأولى ما استمسك به المشتغل بكتاب الله، فهم أقرب الناس عهدا بالوحي، وهم أهل اللغة، وأصحاب اللسان، ثم هم بعد هذا؛ أبر الناس قلوبا، وأقلها تكلفا، وأعمقها فهما.

وإذا فلا غرو أن تكون هِمَّةُ المؤلف تتجه بشكل كبير إلى العناية الخاصة بالمأثور في التفسير ـ من القرآن والسنة وكلام سلف الأمة ـ حتى لا تكاد تخلو آية تكلم عنها من إلماح إلى شيء من هذه المصادر المأثورة، ولقد كان هذا منهجا واضحا اختطه المؤلف ـ رحمه الله ـ أول ما ابتدأ كتابه، بل وكان شديدا على من عدل عنه، سلكا مسارب الزيغ والضلال، وهذا نصُه ـ القيم ـ في مقدمة كتابه أنقله بتمامه، يرسم فيه منهجه، واضح المعالم، بَيّنَ الحدود، قال ـ رحمه الله ـ: " فإن أولى ما تمسك به المتمسكون، وتدبره المتدبرون، وائتم به المهتدون، ولجأ إليه المعتبرون: كتاب الله، الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (٢)، الذي أكمل الله به الدين، وأنزل الله سبحانه في حجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٣) وقال تبارك اسمه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (٤) وقال: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (٥) فأحكم الله جل جلاله الفرائض والأحكام، والأصول كلها فيه جليا وخفيا.

فمنه: ما يعقل بنفس الخطاب، قال الله تعالى: {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (٦)

منه ما بينه الله عز وجل بالوحي، وهو الخفي، ألا تراه يقول: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} (٧) وقال: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (٨)، فسأل نبينا - صلى الله عليه وسلم - ربه ـ تبارك وتعالى ـ عن بيانه، فبيّنه له.

ومنه ما بيّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة التي أعطاه الله، يقول الله ـ عز وجل ـ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (٩) وقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (١٠).


(١) سورة النحل (٤٤).
(٢) سورة فصلت (٤٢)
(٣) سورة المائدة (٣).
(٤) سورة الأنعام (٣٨)
(٥) سورة النحل (٨٩).
(٦) سورة فصلت (٣ ـ ٤).
(٧) سورة القيامة (١٩).
(٨) سورة طه (١١٤).
(٩) سورة الأحزاب (٣٤).
(١٠) سورة النحل (٤٤).

<<  <   >  >>