للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجيبا عن أدلتهم، رادا قولهم، مستدلا للمذهب، مصححا طريقة إمامه، معتضدا بدلالة الكتاب والسنة، ولغة العرب، وأسباب النزول، والقراءات، ومعقول النظر، وربما ابتدأ بذكر الراجح في معنى الآية وقرره، ثم يعقبه ببسط الخلاف مع المذاهب الأخرى، كما وقع له ذلك عند قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (١) قال: " هذه الآية ناسخة ما كان قبلها من الموارثات بالحلف والهجرة، وصارت الموارثة بالإسلام والمساواة في الملة، وقد قال بعض العراقيين: إنه يُوَرِثُ بهذه الآية ذوي الأرحام دون الموالي " (٢).

وربما ابتدأ الآية مباشرة ـ وهو قليل ـ بذكر الخلاف بين الفقهاء، وسياق الحجج والجواب عن المخالف.

وهو في هذا كله قد التزم نسبة الأقوال إلى قائليها، ولقد كان ـ رحمه الله ـ دقيقا أمينا في ذلك، ولا غَرْو؛ فقد كان من الحفاظ الرواة، وربما وقع له ـ وهو قليل ـ أن يذكر الأقوال غير منسوبة (٣)، أو يقول: وقال جماعة من المفسرين (٤)، أو ربما قال: المفسرون (٥).

ولقد كانت كتب الأحكام بعامة يَنْدُر فيها الخوض فيما خاض فيه كثير من المفسرين في بعض المعاني والأقوال التفسيرية، وكذا كان شأن القشيري في كتابه، فقد ندر عنده الخوض في بعض المعاني والأقوال التي لا طائل وراءها، كما وقع في بيان قدر الدراهم التي دفعت ثمنا لشراء يوسف - عليه السلام -، حيث قال: " ليس في ذكر عدد الدراهم واختلافهم فيها فائدة، إلا أن معنى (بخس): أنها قليلة نَزِرَة، دون ما يساوي مثله لو كان عبدا، وحَلَّ بيعه" (٦).

وكان كثيرا ما يختم كلامه عن الآية بذكر ما ترجح عنده واختاره في معنى الآية، أو فيما وقع الخلاف فيه.

هذا هو الغالب من طريقته وربما وقع له في مواضع قليلة أن تكلم عن الآية مقتصرا على ما ظهر له من معناها، لا يعدوه إلى كلام غيره، كما فعل عند قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (٧) قال: "يغضوا من أبصارهم عن جميع ما لا يحل لهم النظر إليه، وعما لا يأمنوا الفتنة به، وعلى المرأة من ذلك فوق ما على الرجل" (٨).


(١) سورة الأنفال (٧٥).
(٢) ينظر من هذه الرسالة: سورة الأنفال الآية رقم (٧٥)، وينظر كذلك: سورة الكهف الآية رقم (٢٣) والطلاق رقم (١).
(٣) ينظر من هذه الرسالة: سورة إبراهيم الآية رقم (٢٥).
(٤) ينظر من هذه الرسالة: سورة يونس الآية رقم (٨٧) والإسراء رقم (١١٠) والحج رقم (٢٥) والمؤمنون رقم (١) ومحمد رقم (٤).
(٥) ينظر من هذه الرسالة: سورة النحل الآية رقم (٧٥).
(٦) ينظر من هذه الرسالة: سورة يوسف الآية رقم (٢٠).
(٧) سورة النور (٣٠).
(٨) ينظر من هذه الرسالة: سورة النور الآية رقم (٣٠)
ومن الأمثلة كذلك: سورة التوبة الآية رقم (٣٦، ٤١) والإسراء رقم (٢٦)

<<  <   >  >>