للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: مكانته العلمية.]

[أولا: مكانته العلمية.]

تجمع المصادر التي ترجمت لأبي الفضل، بأنه كان فقيها في مذهب مالك، وأنه برع في التصانيف المتنوعة في الأصول والفروع، فقد عده صاحب الديباج المذهب، في أول الطبقة الخامسة " الذين انتهى إليهم فقه مالك ولم يروه، ولم يسمعوا منه، والتزموا مذهبه من العراق" (١).

وقال الذهبي في كتابه: العبر في خبر من غبر، في معرض الثناء عليه: " العلامة أبو الفضل القشيري، البصري المالكي، صاحب التصانيف في الأصول والفروع" (٢).

يضاف إلى ما تميز به من رئاسة في الفقه أنه كان ـ أيضا ـ " راوية للحديث عالما بماله من العلل " (٣)، وكتابه محل الدراسة يشهد له بهذا، فقد تضمن روايات مسندة عنه، كما تضمن كلاما له عن بعض علل السند والمتن، وسيأتي بيان ذلك ـ إن شاء الله مفصلا في الفصل الخاص بمنهجه.

ويذكر صاحب الديباج المذهب أن أبا الفضل القشيري، لما انتقل إلى القاهرة في آخر حياته أدرك بها منزلة عالية، يقول: " وخرج من العراق لأمر اضطره، فنزل مصر قبل الثلاثين والثلاثمائة، وأدرك فيها رئاسة عظيمة " (٤).

وجانب آخر يكشف عن مكانة أبي الفضل، أن أهل العلم احتجوا بكلامه وآرائه، وبين يدي نص قيم له أكثر من دلالة، فقد أورد الزيلعي نقلا عن أبي الفضل نصا يتعلق بتوهين خبر الغرانيق، وأجدني مضطرا ـ مع طول النص ـ لنقله كاملا، قال الزيلعي وهو يتكلم عن بطلان هذه القصة: " وصَدَقَ القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بُلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون، مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته، فقائل يقول: إنه في الصلاة، وآخر يقول: قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول: قالها وقد أصابته سنة، وآخر يقول: بل حدث نفسه فَسَها، وآخر يقول: إن الشيطان قالها على لسانه، وأنه عليه السلام لما عرضها على جبريل قال: ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول: بل علمهم الشيطان أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأها، فلما بلغ النبي ذلك قال: والله ما هكذا أنزلت، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة، ومن حكيت عنه هذه الحكاية من المفسرين وغيرهم، لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم ضعيفة، والمرفوع فيها حديث البزار، وقد بين البزار أنه لا يُعرف من طريق يجوز ذكره، سوى ما ذكر، وفيه من الضعف ما فيه، مع وقوع الشك، وحديث الكلبي الذي أشار إليه، لا تجوز روايته لكذبه، وقوة ضعفه، والذي منه في الصحيح: أنه عليه السلام قرأ والنجم وهو بمكة، فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، انتهى، هذا توهينه من جهة النقل، ثم ذكر توهينه من جهة المعنى، بوجوه كثيرة يطول ذكرها " (٥) أ. هـ.

وفي الحق، فهذا النص قيم جدا يكشف بجلاء عن تمكن أبي الفضل من علم الكتاب والسنة.

ومما يُبين عن مكانته أنه تولى منصب القضاء بنواحي العراق، واشتهر بها حتى أصبح ملازما لاسمه (٦).


(١) الديباج المذهب ص ١٠٠.
(٢) العبر في خبر من غبر (٢/ ٢٦٩)، ونحوه ما ورد في شذرات الذهب (٢/ ٣٦٦).
(٣) الديباج المذهب ص ١٠٠.
(٤) الديباج المذهب ص ١٠٠.
(٥) تخريج الأحاديث والآثار (٢/ ٣٩٣).
(٦) ينظر: الوافي بالوفيات (١٠/ ١٣٦) وسير أعلام النبلاء (١٥/ ٥٣٧) والديباج المذهب ص ١٠٠.

<<  <   >  >>