للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسواها مما لم تنقله كتب التراجم والسير، وهذا القدر الطيب الذي خلفه أبو الفضل القشيري ـ رحمه الله ـ يكشف عددا من السمات في شخصيته العلمية والمعرفية، منها:

أولا: تدل هذه الكتب على التنوع المعرفي والعلمي عند أبي الفضل، هذا التنوع والتعدد الذي يجده من يقرأ عناوين هذه المصنفات، فقد ضرب بسهمه في التفسير، والحديث، والعقيدة، والفقه وأصوله.

ثانيا: تشير هذه المصنفات ـ أيضا ـ إلى العناية الفائقة بالفقه ومسائله، فقد كانت جلها في الفقه وأصوله، وهذا منسجم تماما مع المدرسة المالكية في العراق، التي اعتنت بتحرير المسائل، والبناء على الأصول، تبعا للبيئة العلمية التي ظهرت فيها.

ثالثا: لا تخطئ العين رؤية تلك المؤلفات العديدة في الرد على المخالفين، ولا سيما من أهل المدرستين الحنفية والشافعية، وقد شمل هذه الرد مؤسس المدرسة الشافعية، وكذلك أحد أركانها المزني، وتناول أيضا أبا جعفر الطحاوي أحد كبار أئمة الحنفية المعاصرين له، ولم يكن مثل هذا النوع من التأليف مستغربا على البيئة العراقية التي ضمت بين جنباتها المذهب الأربعة جميعا، بأصحابها المدافعين عنها الرادّين على المخالفين قولهم، فهي بيئة تستوفز ـ بهذا الاختلاط بين المذاهب ـ همم العلماء على الرد والمجادلة.

رابعا: ويَلْحَظُ أيضا من ينظر في هذه المؤلفات، أنها تناولت جوانب دقيقة من العلوم التي تندرج تحتها، ففي التفسير والحديث، تناول من غلط فيهما، وفي العقيدة تناول مسألة دقيقة جدا في الرد على أهل القدر، وعصمة الأنبياء، وهذا يلقي مزيدا من الضوء على التكوين العلمي الذي تميز به أبو الفضل بكر بن محمد القشيري، وانطبعت آثاره على كتابه أحكام القرآن.

ومن المؤسف حقا أن هذه الكتب القيمة التي ألفها أبو الفضل، وسواها كثير مما تركه لنا سلفنا ـ رحمهم الله وجمعنا بهم ـ قد ذهبت مع ما فُقِدَ من تراثنا، فلم يبق من كتب أبي الفضل جميعا، إلا كتاب أحكام القرآن، الذي هو محل الدراسة في هذه الرسالة.

ثانيا: وفاته.

تكاد المصادر التاريخية وفي جملتها كتب تراجم فقهاء المالكية، تجمع أنه توفي في شهر ربيع الأول، من سنة أربع وأربعين وثلاثمائة للهجرة النبوية (١)، ويتميز القاضي عياض فيكون أكثر دقة وتحديدا، فيحدد اليوم والليلة، حيث يقول: " توفي ليلة السبت لسبع بقين من ربيع الأول" (٢).

وانفرد صاحب الوافي بالوفيات بين المصادر كلها؛ فذكر أنه توفي في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة للهجرة، وتابعه صاحب شذرات الذهب على هذا (٣)، والظاهر أنه توفي سنة أربع وأربعين، وذلك لأنه قول أكثر أهل التراجم عموما، وقال به ـ أيضا ـ من ألف في طبقات المالكية خصوصا.

ودفن ـ رحمه الله ـ رحمة واسعة بالمقطم بالقاهرة (٤).


(١) منها: ترتيب المدارك للقاضي عياض (٥/ ٢٧٠) وتاريخ الإسلام (٣٣١ ـ ٣٥٠) والعبر في خبر من غبر (٢/ ٢٦٩) سير أعلام النبلاء (١٥/ ٥٣٧) الديباج المذهب ص ١٠٠، وطبقات المفسرين للداودي (١/ ١٢٠) مرآة الجنان (٢/ ٣٣٦) وهدية العارفين (١/ ٢٣٤) شجرة النور الزكية ص ٧٩، وحسن المحاضرة (١/ ٤٥٠) وترتيب المدارك للقاضي عياض (٥/ ٢٧٠).
(٢) ترتيب المدارك (٥/ ٢٧٢) وينظر: الديباج المذهب ص ١٠٠.
(٣) ينظر: الوافي بالوفيات (١٠/ ١٣٦) وشذرات الذهب (٢/ ٣٦٦).
(٤) الديباج المذهب ص ١٠٠.

<<  <   >  >>