أولا: يعتبر هذا الكتاب من أقدم ما أُلّف في أحكام القرآن الكريم، التي وصلت إلينا، وانتهت بين أيدينا، ذلك أن مؤلفه أبا الفضل القشيري ـ رحمه الله ـ توفي في أوائل القرن الرابع الهجري عام أربع وأربعين وثلاثمائة للهجرة، وهو بهذا يعتبر من أقدم المؤلفات في أحكام القرآن الكريم.
ثانيا: يتميز هذا التفسير من حيث مادته العلمية بجملة من السمات تجعله جديرا بالعناية حقيقا بالدراسة، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في قسم الدراسة بسطها، غير أني أذكر منها سمة بارزة، قيمة، وهي تلك العناية الكبيرة بآثار السلف وأقوالهم، فلا تكاد تخلو آية من الآيات التي تكلم عنها، من جملة من الآثار والروايات، بل قد حوى عددا من الآثار، التي لم أقف عليها في شيء من المصادر أو المراجع، وهذه السمة لها عدد من المتعلقات، وتحتاج إلى مزيد بسط وإيضاح، سأعرض لها بإذن الله تعالى على نحو موسّع في قسم الدراسة.
ثالثا: وسمة بارزة لهذا الكتاب لا يخطئها الفهم، ولا تعشو عنها العين، هو ما تميز به الكتاب من تلك الاختيارات والترجيحات، التي يختم بها المؤلف كلامه عن الآية أو المسألة، على نحو دالٍ على رسوخ قدمه في العلم، وعلو كعبه فيه.
رابعا: كتاب " أحكام القرآن " للإمام القشيري، وهو في أصله كتاب مختصر من كتاب كبير في أحكام القرآن للقاضي إسماعيل بن إسحاق البصري (ت: ٢٨٢)، وتبرز هذه السمة من جانبين، أولهما: مكانة المؤلف، فهو إمام مقرئ حافظ ناقد، من أعيان المالكية ومقدميهم، والجانب الآخر: قيمة الكتاب العلمية، إذ كان محل ثناء العلماء وتقديرهم، على نحو لافت للنظر، يكفي في ذلك مقولة الخطيب في تاريخ بغداد (٦/ ٢٥٨) وهو يثني على القاضي إسماعيل: " وانضاف إلى ذلك علمه بالقرآن، فإنه ألف في القرآن كتبا تتجاوز كثيرا من الكتب المصنفة فيه، فمنها: كتابه أحكام القرآن، وهو كتاب لم يسبقه إليه أحد من أصحابه إلى مثله ".
[* سبب اختيار الموضوع.]
أولا: أهمية الموضوع، وقد أشرت في الفقرة السابقة، إلى قيمة هذا الكتاب.
ثانيا: الإسهام في إحياء تراث سلفنا الصالح، والعناية به، من خلال إكمال تحقيق هذا المخطوط، وجعله قريبا في متناول أيدي الباحثين والدارسين ـ ولا سيما ـ أن المخطوط من المؤلفات التي اعتنت كثيرا بأقوال السلف وقَدَمَتها.
ثالثا: دراسة آيات الأحكام، والوقوف على مذاهب العلماء، واختلاف أنظارهم، ومنازع استدلالهم بنصوص الكتاب الكريم، على مسائل الخلاف، وطرائقهم في الترجيح والاختيار.
رابعا: إثراء المكتبة القرآنية، بكتاب قيم، يعتني بتفسير آيات الأحكام.
[* الدراسات السابقة.]
بحسب ما أعلم فإن كتاب أحكام القرآن للقاضي أبي الفضل القشيري، لم يُحَقّق ولم يُطبع، وقد سُجّل الجزء الأول منه، بقسم القرآن وعلومه، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث تقدم به الأخ الكريم/ ناصر بن محمد الدوسري، لنيل درجة الدكتوراه، والفضل يعود بعد الله ـ جل وعلا ـ إليه في العثور على هذا المخطوط القِّيم، وتقديمه لقسم القرآن وعلومه، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.