للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ومن سورة الجن]

قال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} (١).

قال الحسن: غنى ربنا (٢).

وقال عكرمة: جلال ربنا وعظمته (٣).

وقال مجاهد: ذكره (٤).

وقيل: أمر ربنا (٥).

وقال ابن عباس: لو علمت الجن أنه يكون في الإنس جدود ما قالوا ذلك (٦)، وأحسبه أراد أن الجد أب، وهذا غير ممتنع في اللغة أن يكون الجد إلى آدم - عليه السلام - أب، ويسمى الحظ جد، وهذا لا يذهب على ابن عباس؛ فهو أصل في اللغة (٧)، ولكنه كان يقوي أمر الجد محتجا له بكل شيء، وإن كان يعلم أن اسم الجد الحقيقي جد، واسم الجدة الحقيقي جدة، فليس هما الأبوان اللذان بالقرآن، والله أعلم (٨).

قال الله عز وجل: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (٩).

قيل: كانوا قوما إذا نزلوا واديا قالوا: نعوذ بسيد الوادي من شر ما فيه، فيقول الجن: يتعوذون بنا ونحن لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا، قال: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} فازدادوا عليهم جرأة، ولو تعوذوا بالله ـ عز وجل ـ أعاذهم (١٠).


(١) سورة الجن (٣).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٣٢١) والطبري في تفسيره (١٢/ ٢٦٠) به.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (١٢/ ٢٥٩) به.
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره (١٢/ ٢٦٠) به
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره (١٢/ ٢٥٩) عن ابن عباس - رضي الله عنه -، وقتادة، والسدي.
(٦) أخرجه عبد الرزاق [١٠/ ٢٢٦٣ كتاب الفرائض، باب فرض الجد] والبيهقي [٦/ ٢٤٦ كتاب، باب من لم يورث الإخوة مع الأب] بنحوه.
(٧) ينظر: معجم مقاييس اللغة، ولسان العرب، مادة: جد.
(٨) رجح الطبري في تفسيره (١٢/ ٢٦٠) أن المراد بالجد: العظمة والسلطان والقدرة، وعلل ذلك بقوله: " لأن للجد في كلام العرب معنيين أحدهما: الجد الذي هو أبو الأب أو أبو الأم، وذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النفر الذين وصفهم الله بهذه الصفة، وذلك أنهم قد قالوا: {فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا} ومن وصف الله بأن له ولدا أو جدا أو هو أبو أبٍ أو أبو أمٍ فلا شك أنه من المشركين، والمعنى الآخر: الجد الذي بمعنى الحظ، يقال: فلان ذو جد في هذا الأمر إذا كان له حظ فيه، وهو الذي يقال له بالفارسية: البخت، وهذا المعنى الذي قصده هؤلاء النفر من الجن بقيلهم: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} ـ إن شاء الله ـ وإنما عنوا أن حظوته من الملك والسلطان والقدرة والعظمة عالية، فلا يكون له صاحبة ولا ولد؛ لأن الصاحبة إنما تكون للضعيف العاجز، الذي تضطره الشهوة الباعثة إلى اتخاذها، وأن الولد إنما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوقاع الذي يحدث منه الولد، فقال النفر من الجن: علا ملك ربنا وسلطانه وقدرته وعظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه، الذين تضطرهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة أو وقاع شيء يكون منه ولد، وقد بين عن صحة ما قلنا في ذلك؛ إخبار الله عنهم أنهم إنما نزهوا الله عن اتخاذ الصاحبة والولد بقوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} يقال منه: رجل جدّي وجديد ومجدود أي ذو حظ فيما هو فيه ".
(٩) سورة الجن (٦).
(١٠) أخرج الطبري في تفسير (١٢/ ٢٦٣) نحوه عن: ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والنخعي، وقتادة.

<<  <   >  >>