للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* الأول: أسباب النزول.

بيان سبب النزول ـ كما يقول أبو الفتح القشيري ـ طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز (١)، ولذلك لم يزل أهل العلم من المفسرين من الصحابة ومن تلاهم يعتنون بذكر أسباب النزول، لأن معرفة ما احتف بنزول الآيات من أسباب وأحوال يعين على فهم مضمون الكلام.

ومن هنا كان اهتمام المؤلف باديا بأسباب النزول لا يخفى، حتى قَلَّ أن تمر به آية يُروى فيها سبب نزول، لا يذكره أو يشير إليه.

وسأحاول في هذه الفقرة توضيح منهج المؤلف من خلال الآتي:

أولا: جرى المؤلف في غالب الكتاب على أن يبدأ الكلام عن الآية بذكر سبب نزولها إن كان لها سبب نزول، سواء في هذا ما كان من رواية الصحابة أو التابعين، وهذا منهج يكاد أن يطرد معه، ومن أمثلة ذلك ما أورده عند قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} (٢) قال: " قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: ? أنا أعلم الناس بهذه الآية، لما أهديت زينب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت معه في البيت، وصنع طعاما فجاء القوم فكانوا يأكلون وجلسوا، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج والقوم مكانهم، ثم يرجع وهم قعود، فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحجاب وقام القوم? " (٣).

ثانيا: إذا كان للآية أكثر من سبب؛ فإنه يذكره أو يشير إليه في بعض الأحيان، ومن الأمثلة على ذلك ما أورده في سبب نزول قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} (٤)، فقد ذكر روايات تدل على أنها نزلت في شأن عويمر العجلاني، وروايات أخرى تدل على أنها نزلت في شأن هلال بن أمية - رضي الله عنهم -.

وربما رجح بين الروايات وقدم بعضها على بعض، كما وقع له عند قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (٥) قال: " إنما ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يشكر أفعال أبي طالب فقيل: إنه لما مات قال:


(١) ينظر: البرهان في علوم القرآن (١/ ١١٧).
(٢) سورة الأحزاب (٥٣).
(٣) ينظر من هذه الرسالة: سورة الأحزاب الآية رقم (٥٣).
ومن الأمثلة كذلك: سورة الأنفال الآية رقم (١٦) والنحل الآية رقم (١٠٦) والحج الآية رقم (٣٩) والأحزاب الآية رقم (٣٦) ويس الآية رقم (١) والمجادلة رقم (١٢).
(٤) سورة النور (٦).
(٥) سورة التوبة (١١٣).

<<  <   >  >>