للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنه ما شرّف الله به أصحاب نبيه، بمشاهدتهم الأسباب التي نزل القرآن من أجلها، وسنت السنن بحضرتهم عملا وقولا، فكانوا بالمشاهدة أعلم الخلق بما نزل، وبوجوهه وتصرفاته ... ونصحهم للأمة، وصدقهم، فمدح الله متبعهم فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (١) ... ولم يزل أهل العلم على ذلك متبعين لسلفهم، حتى حدث في القرن الرابع من هذه الأمة ومن تلاهم، قوم مستخفون بقول السلف، وله هاجرون، وعلى مذاهبهم زارون (٢)، يحدثون أنفسهم أن أسد الجواب ما استخرجوه، وأعلاه ما استنبطوه، أخذوا ذلك عن أهل الزيغ، لا يعرجون على الرواية، ولا يلتفتون إلى باطن التلاوة، ويرون أنهم يساوون السلف في العلم بالكتاب، طعنا بذلك على إخوان المصطفى الذين فارقهم على الصدق والوفاء، والطهارة والتقى، ولو أخذوا ذلك عمن شاهد الوحي ونزل القرآن بلغته؛ لكانت هذه الطائفة قد سلكت سبيل الصواب، وصادفت سديد الجواب، ولَعَلِمتْ أن عقول من تقدمهم تربو على عقولهم، وأفهامهم تزيد على أفهامهم، ولكنهم لما خالطوا أهل الكلام وجانبوا الورع، وصار القصد الغلبة بالجدل المحض، منعهم الله التوفيق، وحاد بهم عن الطريق ... " (٣).

وسأحاول في هذا المطلب ـ والله خير معين ـ الكشف عن الخصائص العامة لمنهج المؤلف في التفسير بالمأثور، واستجلاء طريقته فيه، في ثلاث فقرات:

الفقرة الأولى: تفسير القرآن بالقرآن.

الفقرة الثانية: تفسير القرآن بالأحاديث.

الفقرة الثالثة: تفسير القرآن بالآثار.


(١) سورة التوبة (١٠٠).
(٢) زارون من زرى، قال ابن فارس: " الزاي والراء والحرف المعتل، يدل على احتقار الشيء والتهاون به، ... يقال: زرَيْتَ عليه، إذا عِبْتَ عليه " معجم مقاييس اللغة: مادة: زرى.
(٣) مقدمة الكتاب، اللوحة رقم (٢).

<<  <   >  >>