للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروى الأسود (١): أن عائشة كانت تنزل بالأَبْطَح (٢) وتُدْعى إلى الدور فتأبى (٣).

قال إسماعيل (٤): قد تأول قوم في بيوت مكة ما ذكرنا، والقرآن يوجب أنه المسجد الذي يكون فيه قضاء النسك وفضل الصلاة، قال الله تبارك وتعالى: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (٥) أي يصدون عن المسجد الحرام، وقال: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (٦) وقال سبحانه: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (٧) أي وعن المسجد الحرام، فدل ذلك كله على أنه المسجد الحرام، لتملك قريش عليه وادعائهم أنهم أربابه وولاته (٨) وأنهم يمنعون من أرادوا ظلما، فأعلم الله ـ عز وجل ـ أن الناس كلهم فيه سواء، وأما المنازل فلم يزل لأهل مكة المنازل والدور، غير أن المواساة تجب إذا كانت الضرورة، ولعل عمر ـ رحمه الله ـ فعل ذلك على طريق المواساة عند الحاجة، والله أعلم (٩).

قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ

نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (١٠).

قال قوم في هذه الآية: أنّ الإلحاد فيه الشرك (١١).

وقال آخرون: كل ظلم (١٢)، حتى كان عبد الله بن عمرو يتوقى معاتبة أحد بمكة حتى يخرج إلى الحل (١٣).

وقال بعض المفسرين: فلو هَمَّ بظلم بمكة لأذاقه الله عذابا أليما (١٤).

والمعروف في اللغة: أن كل من جَارَ أو مَالَ عن الحق إلى الباطل فقد ألحد (١٥)، واللحد في القبر مأخوذ من هذه الآية، أميل إلى شق القبر (١٦)، وقد ذكر الله ـ عز وجل ـ


(١) هو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الرحمن، قال ابن حبان: كان فقيها زاهدا، توفي بالكوفة سنة ٧٥ هـ. ينظر: طبقات ابن سعد (٦/ ٣٩٥) وتهذيب التهذيب (١/ ٢٧٥).
(٢) الأبطح: كل مسيل فيه دِقَاق الحصى فهو أَبْطَح، والمراد به موضع بين مكة ومنى، وهو إلى منى أقرب، ويعرف بالمُحصب وخَيْف بني كنانة. ينظر: معجم البلدان (١/ ٧٤).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة [٣/ ٢٧٦ كتاب الحج، باب قوله: ومن يعظم حرمات الله .. ] به.
(٤) هو: ابن إسحاق القاضي، صاحب الأصل.
(٥) سورة الحج (٢٥).
(٦) سورة الفتح (٢٥).
(٧) سورة البقرة (٢١٧).
(٨) لوحة رقم [٢/ ١٨٦].
(٩) قول القاضي إسماعيل في هذه المسألة إحدى الروايات في المذهب عن مالك، ينظر: البيان والتحصيل (٣/ ٤٠٥) والذخيرة (٥/ ٤٠٦) ومواهب الجليل (٧/ ٥٤٦).
(١٠) سورة الحج (٢٥).
(١١) أخرجه الطبري في تفسيره (٩/ ١٣١) عن: ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
(١٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٩/ ١٣١) عن: عبد الرحمن بن زيد، ومجاهد.
(١٣) أخرجه ابن أبي شيبة [٣/ ٢٦٩ كتاب الحج، باب حرمة البيت وتعظيمه] بنحوه.
وقد أخرجه الطبري في تفسيره (٩/ ١٣٢) بنحوه، لكن من حديث عبد الله بن عمر
(١٤) أخرجه ابن أبي شيبة [٣/ ٢٦٩ كتاب الحج، باب حرمة البيت وتعظيمه] والطبري (٩/ ١٣١) والحاكم [٢/ ٤٢٠ كتاب التفسير، سورة الحج] وقال: على شرط مسلم، ممن روي عنه هذا القول ابن مسعود - رضي الله عنه -، .
(١٥) اختار المؤلف ـ رحمه الله ـ بقاء الآية على إطلاقها لتشمل كل أنواع الإلحاد في الحرم، وهذا صحيح، وما نقله من كلام بعض السلف لا يعارضه، على اعتبار أنه من باب البيان، وتفسير الشيء ببعض ما يدل عليه، وقد قال الطبري في تأييد بقاء الآية على عمومها: " وأولى الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب؛ القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وابن عباس، من أنه معني بالظلم في هذا الموضع؛ كل معصية لله، وذلك أن الله عم بقوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} ولم يخصص به ظلم دون ظلم في خبر ولا عقل فهو على عمومه " تفسير الطبري (٩/ ١٣٢) وهذا ـ أيضا ـ ما قرره ابن العربي في أحكام القرآن (٣/ ٢٧٧).
(١٦) ينظر: القاموس مادة: اللحد.

<<  <   >  >>