للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال إسماعيل (١): كل شيء واجب على الإنسان فهو يسمى نذرا، فكأنه قيل: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} ما وجب عليهم من أمر الحج.

قال بكر: والمعنى في هذه الآية ـ والله أعلم ـ أنه رمي الجمار، وجمرة العقبة خاصة إذ كانت بها يتحلل من الإحرام، وقد يجوز أن يدخل غيرها في معناها، والله أعلم.

قال الله عز وجل: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (٢).

هذا الطواف هو المفروض وهو طواف الإفاضة؛ لأنه يقع بعد الرجوع من عرفة وبعد رمي جمرة العقبة، وأهل العراق يسمونه طواف الزيارة، فهو الواجب في الحج الذي لا يجزئ الحج إلا به، فأما الطواف قبل عرفة فهو سنة، وإن فات بعذر مثل من يأتي وهو مُراهِق (٣) يخاف فوات عرفة، ومثل الحائض، فليس عليهم في ترك ذلك شيء، وأما طواف الإفاضة فهو الواجب الذي لا يجوز تركه، وقد أمر الله به وأكده، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة صفية (٤): (حابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلا إذا) (٥).

قال الله تبارك وتعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (٦).

قال مجاهد: الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها (٧).

وقال زيد بن أسلم: الحرمات خمس: الكعبة، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والمُحْرِم حتى يحل (٨).

قال الله عز وعلا: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} (٩).

قال قتادة: الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه (١٠).

وقال إسماعيل (١١): قال الله تبارك وتعالى (١٢): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (١٣) وقال الله تبارك وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} إلى {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} (١٤) وقال في سورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} (١٥) الآية، فأحسب ـ والله أعلم ـ هو ما يتلى عليهم.

قال الله تبارك وتعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (١٦).

رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (عُدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ـ ثلاث مرات ـ) (١٧) ثم تلا هذه الآية {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (١٨).

وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: عُدِلت شهادة الزور بالشرك، ثم قرأ الآية (١٩).

قال بكر: والكذب كله زور، فأعلاه الإشراك بالله، ولعل الآية أُريد بها الكفر في هذا الموضع، ألا تراه قال ـ جل وعز ـ: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (٢٠) وكل كذب وشهادة بغير حق فهو زور، والروايتان اللتان ذكرناهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن ابن


(١) هو: ابن إسحاق القاضي، تقدم.
(٢) سورة الحج (٢٩).
(٣) قال في اللسان مادة: رهق، في معنى مراهق: " أَي إذا ضاق عليه الوقت بالتأخير حتى يخاف فَوْت الوقوف".
(٤) هي: أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب، كانت من صفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سبي خيبر، ثم أعتقها وتزوجها، توفيت سنة ٥٢ هـ ودفنت بالبقيع. ينظر: طبقات ابن سعد (٨/ ٣١٠) والإصابة (٨/ ٢١٠).
(٥) أخرجه البخاري [١٦٧٠ كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت] ومسلم [٢/ ٧١٣ كتاب الحج] عن عائشة، به.
(٦) سورة الحج (٣٠).
(٧) أخرجه الطبري في تفسيره (٩/ ١٤٣) به.
(٨) أخرجه الطبري في تفسيره (٩/ ١٤٣) ولفظه: الحرمات: المشعر الحرام والبيت الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام، هؤلاء الحرمات.
وفي لفظ آخر (٩/ ١٤٦): الشعائر: الجمار والصفا والمروة من شعائر الله، والمشعر الحرام والمزدلفة، قال: والشعائر تدخل في الحرم، هي شعائر، وهي حرم.
(٩) سورة الحج (٣٠).
(١٠) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (١/ ١٨١) والطبري في تفسيره (٩/ ١٤٣) به.
(١١) هو: ابن إسحاق القاضي، تقدم.
(١٢) لوحة رقم [٢/ ١٨٩].
(١٣) سورة المائدة (١).
(١٤) سورة المائدة (٣).
(١٥) سورة البقرة (١٧٣). وفي الأصل جعل أول الآية (حرمت عليكم الميتة والدم .. ).
(١٦) سورة الحج (٣٠).
(١٧) أخرجه ابن ماجه [٢/ ٥٠ كتاب الأحكام، باب شهادة الزور] وأبو داود [٣/ ٢٩٨ كتاب الأقضية، باب في شهادة الزور] والترمذي [٤/ ١٣٣ كتاب الشهادات، باب ما جاء في شهادة الزور] وقال: هذا عندي أصح، من حديث خُرَيم بن فَاتِك به، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ص ٣٥٦.
(١٨) سورة الحج (٣٠ ـ ٣١).
(١٩) أخرجه عبد الرزاق [٨/ ٣٢٧ كتاب الشهادات، باب عقوبة شهادة الزور] وابن أبي شيبة [٤/ ٥٤٩ كتاب البيوع والأقضية، ما ذكر في شهادة الزور] والطبراني في الكبير (٩/ ١٠٩) به.
(٢٠) سورة الحج (٣١).

<<  <   >  >>