للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثار الجند كل في وجه الآخر، وانتشرت الفوضى، وعم الاضطراب، وساد الفزع قلوب الأهلين" (١).

ومن آثار هذا الضعف أن الأمة شغلت بنفسها عن عدوها، مما مكن العدو من استباحة أرضها، فغزاها بعد أن كانت غازية، واقتطع جزءا من أرضها بعد أن كانت تحوي البلاد والممالك، فتحولت الحال من المغالبة إلى المدافعة.

وكما فتح الباب على مصراعيه لظهور كثير من النزاعات والفتن والاضطرابات الداخلية بين أبناء الإسلام، وأصبحت للحركات الباطنية ـوأشدها القرامطة ـ صولة وجولة، ولا يزال التاريخ يذكر في تلك الحقبة الزمنية، ما فعله القرامطة في بيت الله العتيق من نقض أساس الكعبة، وأخذ الحجر الأسود، واستباحة دماء حجاج بيت الله، حتى أسالوا منهم الدماء، وانتهكوا الحرمات المعصومة، ونهبوا الأموال وعاثوا في الأرض فسادا (٢).

وأما أمر الخلافة فقد بلغ من الاضطراب مبلغا عظيما، إذ كانت الخلفاء يثب بعضهم على بعض، ويقوم الواحد منهم مقام الآخر، مع استعمال الكيد والمكر، ومن ورائهم الوزراء والقادة، المنتفعون بسلطتهم ونفوذهم، كل يستميل الآخر إلى صفه، ويغريه بالرشاوى، ويملي له بالوعود والعطايا، حتى فسد أمر الخلافة، وذهبت هيبتها من النفوس، حتى النساء والخدم، كان لهم في هذا الميدان صولة، وكانت لهم فيه جولة، وأحسن ما يصور هذا الاضطراب والتلاعب بأمر الخلافة، ما نقله الصولي عن الخليفة الراضي بالله، حيث قال: " كأني بالناس يقولون: أرضي هذا الخليفة أن يدبر أمره عبد تركي، يتحكم في المال، وينفرد بالتدبير، ولا يدرون أن هذا الأمر أفسد قَبْلِي، وأخل فيه قوم بغير شهوتي، ... ويتعدى الواحد منهم أو من أصحابهم على بعض الرعية، وآمره فيه فلا يُمْتثل، ولا ينفذ،


(١) تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي (٣/ ٤٤)، وينظر كذلك: الآثار الباقية للبيروني ص ١٣٢.
(٢) ينظر: البداية والنهاية (٩/ ٨٤) وتاريخ الخلفاء ص ٣٩٨.

<<  <   >  >>