فقد شذ عنه على نحو نادر بعض خلافهم، كما في مسألة اشتراط الإسلام والحرية حتى يقع اللعان، إذ قال رحمه الله:" ولا نعلم بين التابعين ممن فسر الآية خلافا في ذلك: أن كل زوج يلاعن إلا شيئا يروى عن إبراهيم النخعي، ولا أظنه يثبت" وهذا غريب منه ـ رحمه الله ـ لأن اشتراط الإسلام والحرية حتى يقع اللعان بين الزوجين، لم ينفرد به النخعي، بل هو قول مشهور عند السلف فقد أخرجه عبد الرزاق عن طائفة من السلف، منهم: عطاء، ومجاهد، ومكحول، والشعبي، وأكثر من هذا، أنه قد روي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث أخرجه البيهقي عن عمرو بن شعيب ـ وضعفه ـ وفيه:(أربع لا لعان بينهن وبين أزواجهن: اليهودية، والنصرانية، تحت المسلم، والحرة تحت العبد، والأمة عند الحر، والنصرانية عند النصراني).
رابعا: ومما يحمد للمؤلف أنه مع كثرة الأقوال وتنوعها، فقد كان دقيقا في نسبتها إلى قائليها، حيث كان في الغالب يذكر الأقوال منسوبة إلى من قالها، والآراء إلى أهلها.
ومع هذا فقد كان في مواضع عديدة يذكر القول غير منسوب إلى قائله، مع أنه ربما كان قولا مشهورا، بل وعليه العمل، كما نص هو على ذلك، مثال ذلك قوله في مسألة اللقيط:" واختلف قوم في اللقيط؛ فقال قوم: هو مملوك. وقال آخرون: هو حر، وهو المعمول عليه، والذي عليه أهل العلم "(١) ولعل الذي حمله على ذلك؛ اكتفاؤه بشهرة القول، وشهرة من قال به، عن النص على قائله، على أن ما نص على تسمية قائله، في مواضع أخرى، ليس بأقل شهرة مما ترك تسميته.
ولما غلب نسبة مدرسة الرأي والقياس إلى العراق لاشتهارها بهم، وفي جملتهم الأحناف، في مقابل مدرسة الأثر في الحجاز، وفي جملتهم المالكية ـ وإليها ينتسب المؤلف ـ فقد كان يذكر أهل العراق بهذه النسبة، في عدد من المواضع، فيقول: قال العراقي، أو قال: أهل العراق،
(١) ينظر من هذه الرسالة: سورة يوسف الآية رقم (٢٠).