للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند ابن العربي، فتجده ربما خاض مع الفلاسفة وجال مع أهل الطب، وضرب مع الفلكيين بسهم، وهو في هذا متأثر ببيئته وعصره، فانظره عند قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} (١) قال: " تمدح من الله سبحانه بعلم الغيب والإحاطة، بالباطن الذي يخفى على الخلق، فلا يجوز أن يشاركه في ذلك أحد، وأهل الطب يقولون: إذا ظهر النفخ في ثدي الحامل الأيمن فالحمل ذكر، وإن ظهر في الثدي الأيسر فالحمل أنثى، وإذا كان الثقل للمرأة في الجانب الأيمن فالحمل ذكر، وإن وجدت الثقل في الجانب الأيسر فالولد أنثى، فإن قطعوا بذلك فهو كفر، وإن قالوا: إنها تجربة وجدناها تركوا، وما هم عليه، ولم يقدح ذلك في التمدح، فإن العادة يجوز انكسارها، والعلم لا يجوز تبدله" (٢).

وأما عرض المسائل العلمية، فقد تميز ابن العربي على نحو لا يُجَارى، حيث كان عرضه حسنا، وترتيبه دقيقا، ومنهجه مطردا، إذ كان يبدأ أول الأمر بذكر اسم السورة، ثم يعقبها بعدد الآيات التي سيتكلم عنها في هذه السورة، فإذا أخذ في الكلام عن الآية، بدأ بذكرها، ثم بين عدد المسائل التي سيجري بحثها والكلام عنها في تلك الآية، ومن الأمثلة على ذلك في سورة المجادلة: حيث قال: سورة المجادلة فيها ست آيات، الآية الأولى: ... ثم ذكرها، وقال: فيها تسع وعشرون مسألة: المسألة الأولى: فأخذ في الكلام عنها، وما بعدها من مسائل، حتى أتم الكلام عن هذه المسائل جميعها، وكان كثيرا ما يربط بين هذه المسائل التي يتكلم عنها، فربما كان آخر المسألة الأولى آخذا بِحُجَز أول المسألة الثانية.

ـ وفي الحق ـ فلقد تميز ابن العربي في هذا العرض بثلاث سمات:

أولهما: دقته في هذا العرض.


(١) سورة الرعد (٨).
(٢) سورة الرعد (٨).

<<  <   >  >>