للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعددت الجوانب التي اعتمدا فيها على سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان معنى الحديث (١)، وسأقتصر على جانب واحد اشتركا في العناية به، وهو بيان معنى الآية بالحديث، كما وقع عند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (٢) فقد استشهدا سويا بالحديث المشهور عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: يا رسول الله {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الرجل يشرب الخمر ويسرق؟ قال: (لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل الذي يصلي ويصوم ويتصدق، ويخاف ألا يقبل منه) (٣).

وأما العناية بآثار السلف وأقوالهم، فأمر لافت للنظر عند الإمامين معا، غير أنهما وإن اشتركا في هذه السمة، فقد كان لأبي الفضل قصب السبق كثرة وتنوعا، فهو كتاب أثري بالدرجة الأولى، على أن ابن العربي لم يقتصر على آثار التابعين، بل اعتنى بنقل كلام أهل العلم المتأخرين من المفسرين، وأشياخه الذي لقيهم كما بين ذلك في مقدمته.

على أنهما ـ أيضا ـ اشتركا في عدم الاكتفاء بمجرد النقل والرواية، بل كان لهما نظرات ووقفات حول تلك الآثار، وموازنة واستدراك، تدل على مدى الوعي والمعرفة بما ينقلانه.

وجوانب تلك العناية عديدة أكتفي بذكر مثال يتعلق ببيان معنى اللفظة القرآنية عندهما، اعتمادا على كلام السلف، ففي قوله تعالى: {أَوَّابٍ حَفِيظٍ} نقل القشيري كلام السلف في بيان معنى الحفيظ، قال: " قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: هو الرجل يذكر الذنب فيستغفر


(١) فيما يتعلق بالقشيري ينظر من هذه الرسالة ص ١٢٨، وأما ما يتعلق ابن العربي فينظر كتاب: ابن العربي المالكي وتفسيره أحكام القرآن ص ١١٧.
(٢) سورة المؤمنون (٦٠).
(٣) ينظر من هذه الرسالة: ص ١٢٩، وكتاب أحكام القرآن لابن العربي (٣/ ٣٢٣).

<<  <   >  >>