أما استشهاد بعضهم بحديث ترخيص رسول الله عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن ابن عوف بلبس الحرير في الحكة مع أن لبس الحرير للرجال حرام، فنزيل هذه الشبهة بإيراد نص الحديث ثم بيان دلالته. عن أنس قال «رخَّص النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكَّة بهما» رواه البخاري وأحمد والنَّسائي والترمذي وأبو داود. ورواه مسلم ولفظه «إن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شَكَوَا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القمل، فرخص لهما في قُمُص الحرير في غزاة لهما» . فهذا الحديث ليس في موضوع العلاج، وليس هو في باب التداوي، ولا يُدرج هنا، بل مكانه باب الرخص للمريض، فلبس الحرير ليس دواء وليس علاجاً، ولا يُصنَّف في قائمة العلاجات والأدوية لمرض الحكَّة، وإنما يقال إن الحكَّة مرض يُرخَّص لصاحبها في لبس الحرير، وبحث الرخص معلوم في الفقه، وهو حالات استثنائية يجوز فيها للمريض ما لا يجوز لغيره، فالمريض في رمضان يُرخَّص له في الإفطار، ولا يقال إن الإفطار - وهو في الأصل إثم - علاجٌ للمريض الصائم، وإنما يقال هو رخصة، والمريض يُرخَّص له في الصلاة قاعداً، ولا يقال إن الصلاة قاعداً علاج، وإنما يُقال إنها رخصة، والمريض إذا كان الماء يضرُّه يُرخَّص له في التيمُّم مع وجود الماء، ولا يقال إن التيمُّم علاج، وكذلك المريض بالحكَّة يُرخَّص له في لبس الحرير، ولبس الحرير ليس علاجاً، وإنما هو رخصة، وهكذا الرُّخص كلها حالات استثنائية يباح فيها فعل الحرام أو ترك الواجب، وليست علاجات وليست أدوية، والقاسم المشترك بينها هو دفع المشقَّة والأذى عن المريض، فالصيام مشقة، والوضوء بالماء مشقة وأذى، ولبس الملابس الخشنة مشقة. هكذا يجب أن يُفهم حديث لبس الحرير للحكَّة، وهو أنه رخصة في حالة مرض الحكة وليس علاجاً وليس دواء. وبذلك يظل الحكم العام قائماً، وتظل النصوص كلها منسجمة بعضها مع بعض. فالتداوي بالحرام