للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرام، والتداوي بالنجس حرام، ولا يجوز استعمالهما في العلاج مطلقاً، وليس في النصوص أيُّ نسخٍ لهذا الحكم ولا أي مخصِّص ولا أي معارِض.

أما قولهم إن الدواء الخبيث يُحمل على حالة الاضطرار، والدواء الخبيث لا يحل في حالة الاختيار، فهو تأويل يشبه تأويلهم لحديث الصلاة في مرابض الغنم من أنه يُحمل على الصلاة في الأماكن التي ليس فيها بول أو بَعَر، وتأويلهم لحديث التداوي بأبوال الإبل من أنه يُحمل على حالة الاضطرار، فهم يتبنَّون حكماً يرونه صحيحاً ثم يؤولِّون الأحاديث والنصوص التي تخالف هذه الحكم، وكان الواجب عليهم العمل بجميع النصوص عندما تكون منسجمة بعضها مع بعض ولا تَعارُض بينها.

أما هذه الحالة التي وضعوها للدواء - وهي حالة الاختيار والاضطرار - فإنا نقول إن الله سبحانه أباح لنا في حالة الاضطرار أن نفعل الحرام، فنأكل الميتة ونشرب الخمر ونسرق الطعام ولكن هذا شيء والتداوي بالخبيث في حالة الاضطرار شيء آخر، بمعنى أنه لو وُجد شخص أشرف على الموت عطشاً وليس عنده شراب إلا الخمر جاز له شُربُها لينقذ نفسه، وإذا كان المسلم سجيناً ومنع السَّجَّان عنه الطعام حتى أوشك على الهلاك جاز له أن يقتل السَّجَّان ويخلِّص نفسه، فهذا هو غير الباب الذي نحن بصدده، وهذا هو معنى الآية الكريمة التي استشهدوا بها على خطأ رأيهم {وَقَدْ فَصَّلَ لكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إلا مَا اضطُرِرتُمْ إليه} . فالاضطرار حالة غير حالة المرض، وأدلتها غير أدلة المريض وأدلة العلاج، لأن الاضطرار هو الحالة التي يشرف فيها الإنسان على الموت، وهو الحالة التي أشارت إليها الآية الكريمة {فمَنْ اضطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ} ففي حالة الاضطرار يجوز فعل الحرام من أجل الخروج والخلاص منها، أما موضوعنا فشيء آخَرُ تماماً.

<<  <  ج: ص:  >  >>