للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأقول لهؤلاء: أمَّا الحديث الأول فهو مرويٌّ عن ابن عمر، ولقد روى ابن عمر الحديث السابق الصحيح الذي يقول فيه «.. فلم يُصلُّوا قبلها ولا بعدها..» فهما متعارضان، ومع التعارض فإن الحديث الصحيح السابق يُرَجَّح على الحديث هذا، فيُعمل بالأول ويُترك الثاني. هذا أولاً. وثانياً فإن هذا الحديث عندما تحدث عن صلاة الحضر وأتى على ذكر السنن الراتبة ذكر للظهر ركعتين بعديتين فقط ولم يذكر للظهر سُنَّة قبلية، وهذا مخالف لجميع الأحاديث في هذا الموضوع، فدل ذلك على ضعف الحديث متناً وشذوذه، فيطرح ويعمل بالحديث الصحيح السابق. وثالثاً رُبَّ قائلٍ يقول إن هذا الحديث لا يتعارض مع الحديث السابق وإن الجمع بينهما ممكن، وذلك أن الحديث الأول يفيد غالب الأحوال، وأن الحديث الثاني يفيد أحوالاً أخرى لبيان الجواز كما يقولون، بمعنى أن غالب أحواله عليه الصلاة والسلام عدم صلاة هذه الركعات في السفر، وأنه فعلها أحياناً لبيان الجواز، فأقول إن هذا القول لا يصحُّ، إذ لا يصح أن توصف هذه الركعات بأنها سنن راتبة مع الاعتراف بأنه عليه الصلاة والسلام قد فعلها أحياناً وتركها أحياناً أُخرى. فكيف تبقى سنناً راتبة عندئذ؟ أما الحديث الثاني فهو حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال، فقد ضعَّفه ابن القطَّان، كما ضعَّفه أحمد راوي هذا الحديث فهو إذن لا يسعفهم. وأما الحديث الثالث فإنه لا يدل على وجود سنة راتبة مؤكدة قبلية لصلاة الظهر في السفر، فقد روى الترمذي وأبو داود هذا الحديث بلفظ «صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر سفراً، فما رأيته ترك الركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر» . فهاتان الركعتان ليستا هما السُّنة الراتبة للظهر كما يتوهمون، وإنما هما ركعتان تُصليان عندما تزيغ الشمس قبل موعد صلاة الظهر، فهما من النوافل.

<<  <  ج: ص:  >  >>