أما الأحاديث الثلاثة الأولى (أ، ب،ج) فهي حديثٌ واحد رُوي بألفاظ متعددة، وكلُّها من طريق عبد الله بن عُكَيم، وهذا الحديث هو مستنَد مَن لم يُجيزوا دباغة جلود الميتة، ولم يجيزوا تطهيرها من النجاسة. وبالنظر في هذا الحديث نجد أنه ضعيف سنداً ومضطرب متناً. أما من حيث السند، فقد رُوي مرة بلفظ «قُرِيء علينا كتاب رسول الله» رواه أبو داود. ومرة بلفظ «أتانا كتاب النبي» رواه ابن ماجة. ومرة بلفظ «حدَّثني أشياخ جُهَينة» رواه الطحاوي. وهذه الألفاظ كلها تدل على أن عبد الله قد نقل الحديث عن مجهولين، إضافة إلى أن الحديث (ب) في إسناده راو ضعيف.
وأما من حيث المتن فقد رُوي مرة مقيَّداً بزمن ومرة أخرى غير مقيَّد، وحتى المقيَّد بزمن رُوي مقيَّداً بشهر، ومقيَّداً بشهرين، وجاء في روايات أخرى مقيَّداً بأربعين يوماً ومقيَّداً بثلاثة أيام، وحيث أن الراوي لهذه الأحاديث كلها هو راو واحد هو عبد الله بن عُكَيم وحصل هذا التفاوت في المتن فإن ذلك كافٍ لوصفه بالاضطراب في المتن. فالحديث ضعيف سنداً مضطرب متناً، فلا يقوى على معارضة أحاديث الدباغ الكثيرة الصحيحة فيردُّ.
قال الترمذي (سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لِما ذُكِر فيه: قبل وفاته بشهرين، وكان يقول: هذا آخِر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ترك أحمد هذا الحديث لمَّا اضطربوا في إسناده، حيث روى بعضهم وقال: عن عبد الله بن عُكَيم عن أشياخٍ من جهينة) . وقال الخلال: لما رأى أبو عبد الله - أي أحمد - تزلزلَ الروايةِ فيه توقف. وقال ابن تيمية: أكثر أهل العلم على أن الدباغ يُطهِّر في الجملة، لصحَّة النصوص به، وخبر ابن عُكَيم لا يقاربها في الصحة والقوة لينسخها.