للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوضح من الحديثين ما رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبصر رجلاً يصلي وحده فقال: ألا رجلٌ يتصدق على هذا فيصلي معه؟» ورواه أيضاً الترمذي وابن خُزَيمة وابن حِبَّان والحاكم. كما يدل الحديث الأول على أن المأموم إن كان وحده وقف عن يمين الإمام دون أن يتأخر أو يتقدم، فالحديث يقول «فأقامني عن يمينه» . ويقول لفظ لمسلم «فجعلني من شِقِّه الأيمن» . دون أن يذكر تقديماً أو تأخيراً، يشهد لهذا الفهم ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال «أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر الليل فصليت خلفه، فأخذ بيدي فجرَّني فجعلني حذاءه، فلما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صلاته خنست، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما انصرف قال لي: ما شأني أَجعلك حذائي فتخنُسُ؟ فقلت: يا رسول الله أَوَ ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله؟ قال فأعجبته، فدعا الله لي أن يزيدني علماً وفهماً ... » رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنَّسائي. قوله خنست: أي تأخرت قليلاً عن محاذاته. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أوقف ابن عباس حذاءه أي عن يمينه دون تقديم أو تأخير، وذلك لأنها هي السُّنَّة المشروعة، وبالفعل وقف ابن عباس حذاءه، ثم بدا لابن عباس أن يتأخر قليلاً عن محاذاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما حصل منه ذلك سأله - صلى الله عليه وسلم - عن السبب، فأجابه بجواب أعجبه وهو أنه لا ينبغي لأحد أن يصلي حذاءه، بل يتأخر عنه قليلاً لأنه رسول، والرسول يقدَّم على غيره. وهذا الجواب من ابن عباس، وهذا الإعجاب به من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعني أن السُّنة المشروعة هي ما فعل ابن عباس، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أوقفه إلى جواره، وفي العديد من الروايات المروية أن ابن عباس وقف إلى جواره ولم يتأخر، ثم إن جابر بن عبد الله رضي

<<  <  ج: ص:  >  >>